فإِذا كان محمد كذلك فكيف ينكرون نبوته، ويجحدون صفاته بعد أَن اعترفوا بها؟
إن ما وقع منهم كان حسدًا وبغيًا، قال سفيان الثورى: بل قد عرفوه ولكنهم حسدوه.
٧٠ - ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾:
انتقال إِلى توبيخ آخر، أَي: بل أَيحتجون في ترك الإِيمان به بأَنه مجنون؟ وهذا باطل ينكره الوقع الذي يعرفونه حق المعرفة، حيث إِنه - عليه الصلاة والسلام - أَرجح الناس عقلًا، وأَضوؤهم ذهنًا، وأَصحهم رأْيًا، وأَوفرهم رزانة. ﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾:
أَي: بل جاءَهم محمد - ﷺ - بالحق البيِّن، وهو القرآن والتوحيد والدين القيم الذي لا محيد عنه، فلا صحة لما يقولون.
﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾: المراد بالحق الذي كرهه أَكثرهم، إِما كل حق، ويدخل فيه دين الإِسلام، وإِما دين الإِسلام خاصة، فقد كرهه أَكثرهم حسدًا وبغيًا، وكان فيهم من لا يكرهه، ولكنه يتابع قومه في الإِعراض عنه والكفر به أَنفةً واستكبارًا، وحذرًا من تعيير قومه، أَو من وقوع أَذى به أَو نحو ذلك من عدم فطنته وقلة تفكره، لا كراهةً للحق من حيث هو حق.
وإيثار الإِظهار في مقام الإِضمار حيث لم يُقَلْ: (وأكثرهم له) لوضوح الإِظهار في ذمهم والتشنيع عليهم، ولدفع ما قد يتوهم من عود الضمير على الرسول - ﷺ - بخاصة.