لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (١)، لما كان السمع يسبق الأبصار في الإدراك، والأفئدة تتأَخر فيه عنهما، فلذلك جاءت مرتبة هكذا في آيات القرآن العظيم (٢).
ولقد ختم الله الآية هنا بقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون﴾ والخطاب هنا للكافرين. والقلة إِما بمعنى العدم، أَي: لا تشكرون الله أَصلًا، أَو بمعناها الحقيقى، فهم إن شكروا الله فشكْرهم له قليل بالنسبة لشكرهم لآلهتهم، فهم في معظم أَحوالهم ينسبون إليها النصر والمطر والرزق والشفاء من الأَمراض، ولا يذكرون الله إِلا قليلا، والمقصود من الشكر هنا: صرف تلك الحواس لما خلقت له، وأهم ما خلقت له: العبادة الخالصة لله، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾.
وقيل: إِن الخطاب في الآية من أَولها لآخرها موجه إِلى الناس جميعا مؤمنهم وكافرهم، والحكم بقلة شكرهم، لأَن الذين يشكرونه تعالى هم المؤمنون، وهم في الناس قليلون، وما قلناه أَولًا أَظهر وأَوفق بالسياق.
٧٩ - ﴿وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩)﴾:
والله هو الذي خلقكم من نفس واحدة خلق منها زوجها، وكثركم ونشركم في الأرض بتناسلها وذرياتهما لتعمروها وتكونوا في عمارتها خلفاءَ عنه تعالى، ولستم بمخلدين فيها، بل تموتون حين تحين آجالكم، وإِليه لا إلى غيره تحشرون وتجمعون بعد أَن يبعثكم أَحياءَ من قبوركم، ليحاسبكم ويجزيكم على أَعمالكم: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
٨٠ - ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٨٠)﴾:
والله هو الذي يهب الحياة لكل كائن حى، بعد أَن لم يكن شيئًا مذكورًا، ويسلبها منه حين يميته، وتراه في سلطانه على خلائقه ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾
(٢) علق المختصون من الأطباء بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية على آية (النحل) في كتاب (المنتخب في تفسير القرآن الكريم) بقولهم: أثبت الطب الحديث أن حاسة السمع تبدأ مبكرة جدًا في حياة الطفل في الأسابيع القليلة الأولى، وأما البصر فيبدأ في الشهر الثالث، ولا يتم تركيز الأبصار إلا بعد الشهر السادس: أما الإدراك بالفؤاد فلا يكون إلا بعد ذلك: انتهى بتصرف ي