٨١، ٨٢ - ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾:
بين الله في الآيات السابقة أَنه تعالى هو الذي أَنشأ للكافرين الحواس والأفئدة، وهو الذي خلقهم وأنهم إليه راجعون للحساب والجزاء، وأَن الإحياءَ والإماتة من شأْنه جل وعلا، كما له اختلاف الليل والنهار، وطلب إليهم عقب هذه الآيات أن يتدبروا ويتعقلوا بقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ وجاءَت هاتان الآيتان وما بعدهما لتفيد أَنهم لم يعقلوا ولم يتدبروا بل كفروا بالبعث مع وجود هذه البراهين.
والمعنى: لم يعقل هؤلاء المشركون تلك الآيات على إِمكان البعث وقدرة الله عليه، بل قالوا منكرين له مثل ما قاله الكفرة السابقون لرسلهم. قالوا: أئذا متنا وتحولت أجسادنا إلى تراب وعظام بالية نبعث إِلى الحياة مرة أُخرى، ثم أَعادوا الاستبعاد والاستنكار مرة أخرى فقالوا: أَئنا لمبعوثون بعد هذا الفناء، ثم أَكدوا استبعادهم بما حكاه الله عنهم بقوله:
٨٣ - ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾:
لقد وعدنا منك يا محمد بالبعث بعد الموت، ووعد آباؤنا من رسلهم بمثله قبلك، وما هذا البعث الموعود إلا أسطورة من أَكاذيب الأولين نقلتها إِلينا عنهم يا محمد، ونحن نستبعد حصوله ونستنكره بعد أَن يتحول الموتى إِلى عظام نخرة، وقد كانت عقيدتهم في الحياة تتمثل في قولهم: إِن هي إلا أَرحام تدفع وقبور تبلع وما يهلكنا إِلا الدهر، والواقع أَنهم في عقائدهم مضطربون، فبينما هم يقولون ذلك يحكى الله عنهم إيمانهم بعظيم قدرة الله بقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (١). فإذا كانت عقيدتهم كذلك في قدرة الله، فكيف يستبعدون البعث وهو مشاهد لهم كل يوم في إِحياءِ النبات بعد يبسه، وفي اليقظه بعد النوم.