وذكر الزانية مع الزانى ليكون أَصرح في توقيع الجلد عليها من أَن يقال: (والزانى فاجلدوه) وقدمت على الزانى لأَن الزانى في النساءِ كان فاشيًا حين نزول الآية، وكان لإِماءِ العرب وبغاياهم رايات، وكُنَّ مجاهرات بذلك، ولأن الزنى في النساءِ أَكبر مَعَرَّةً منه في الرجال، ولما يترتب عليه من الحمل، ولأَن الباعث غالبًا منهن، وظاهر الآية يقتضي عموم الجلد للزناة ولو كانوا محصنين - ولكن السنة الصحيحة والإجماع خَصَّاه بغير المحصن، كما سنبينه إِن شاءَ الله تعالى.
والخطاب في قوله تعالى: " ﴿فَاجْلِدُوا﴾ " موجه إِلى المسلمين، ولكن الإمام أَو نائبه ينوب عنهم، لأن اجتماعهم على إقامة الحد متعذر.
المحصن حده الرجم
المراد بالمحصن هنا: البالغ العاقل الحر الذي سبق له الوطءُ في نكاح صحيح، فإِن زنى فحده الرجم حتى يموت، وهذا الحكم أَجمع عليه الصحابة، وعلماءُ الأمة وأئمتها، ولم ينكره سوى الخوارج، وهم بإنكارهم هذا يخالفون إجماع الصحابة، وجميع علماء أَئمة المسلمين، والله تعالى يقول في وجوب العمل بالإِجماع: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (١).
ويستند إجماع الصحابة والأَئمة بعدهم إلى ما صح من أَمره - ﷺ - برجم المحصن، فقد تضافرت الطرق على أَنه - ﷺ - جاءَه ماعز معترفًا بزناه، فأَعرض عنه مرارًا، ثم عَرَّض له بالرجوع عن إقراره، فلما أَصر وكان متزوجًا أَمر برجمه، أَخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: "لمَّا أَتى ماعز بن مالك النبي - ﷺ - قال له: لعلك قَبّلْت أَو غمزت أَو نظرْت. قال: لا - وصرح بحقيقة زناه - قال: فعند ذلك أَمر برجمه، وقد شرح البخاري قصته في رواية له بسنده عن أَبي هريرة قال: "أَتى رسولَ الله - ﷺ - رجلٌ من الناس وهو في المسجد، فناداه: إني يا رسول الله زنيت - يريد نفسه -

(١) سورة النساء، الآية:


الصفحة التالية
Icon