وقد اعتبر بعض الفقهاء ما جاءَ في السنة مخصصًا لعموم الجلد وقاصرًا له على غير المحصن، واعتبره بعض آخر منهم عقوبة للمحصن زائدة على جلده، فيجلد مائة ثم يرجم، والرأْى الأول أَرجح، لأَن النبي لم يجمعهما على محصن في عهده، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أَن الله تعالى أَعطى نبيه حق بيان القرآن بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وهذا البيان ملزم للمسلمين أَن يعملوا به لقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ فالنبي حين بيَّن أَن حكم الزانى المحصن من الإناث والذكور الرجم يكون قد بين السبيل الثاني الذي جعله الله بدلًا من حبس الزناة. وإِيذائهم الواردين في سورة النساء، تنفيذًا لوعد الله إذ يقول: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ كما بين عمليًّا أَن السبيل الأَول الوارد بآية الجلد خاص بمن لم يتزوج، وكلاهما حق منحه الله لنبيه، ومعظم ما جاءَ في القرآن قواعد عامة، فلم يتعرض القرآن لتفصيل الأَحكام إِلَّا قليلا، والحكمة في ذلك أَن يتيسر حفظه ويتضح إِعجازه، ولهذا أُحيل تفصيل معظم الأَحكام ولو كانت خطيرة على الرسول بوحى من الله تعالى، كتفصيل أَحكام الصلاة والزكاة، فإِنهما لم يرد عنهما في القرآن سوى الأَمر بهما دون تفصيل لأَركانهما وشروطهما وأوقاتهما، وَغَيْرهما كثير على هذا النمط.
ولعل الحكمة في إسناد بيان حكم الرجم إلى الرسول أَن يَعْلَم المؤمنون أَن السنة يجب الأَخذ بها حتى في أَخطر الأَحكام. والله الموفق.
الحكمة في تشديد الحد على الزناة
قد يقول قائل: لماذا شدد الإِسلام في حد الزناة، فجعله في غير المحصن من الذكور والإِناث إِلى مائة جلدة، وفي المحصن منهما إلى الرجم؟
والجواب: أن العقاب ينبغي أَن يكون بقدر حجم الجريمة، ولما كان الزنى تترتب عليه آثار سيئة في المجتمع الإِسلامى، حيث تفضح به الأعراض، وتختلط به الأَنساب،


الصفحة التالية
Icon