ناطقًا غير مكره، عالمًا بالحرمة ولو حكمًا، بأن نشأَ في دار الإسلام، ويشترط في الاتهام المقذوف به، أَن يكون بوطءٍ يلزمه فيه الحد، وهو الزنى أَو اللواط أَو بنفى ولد عن أَبيه، فلا يكفى أَن يقول للمقذوف: يا فاسق أَو يا فاجر فإن في ذلك التعزير لا الحد إذا ثبت بإقرار أَو بشهادة رجلين، ويشترط في المقذوف: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعفة عن الفاحشة التي رمى بها.
قال القرطبى في المسأَلة الرابعة: وإِنما شرطنا في المقذوف العقل والبلوغ كما شرطناهما في القاذف وإِن لم يكونا من معانى الإِحصان، لأَجل أَن الحد إنما وضع للزجر عن الإذاية بالمضرة الداخلة على المقذوف، ولا مضرة على من عدم العقل والبلوغ - كذا قال.
فإذا قذف المسلم رجلًا أَو امرأَة من أهل الكتاب فلا حد على المسلم القاذف ولكنه يعزر ما لم تكن المقذوفة كتابية متزوجة بمسلم، فقد قيل بجلد من يقذفها، كما نقله القرطبى في المسألة السادسة، ومن رمى صبية بالزنى قبل البلوغ، وكان يمكن وطؤها، فإن ذلك يعتبر قذفًا يستوجب الحد عند الإمام مالك.
وقال الإمام أحمد في الجارية بنت تسع: يجلد قاذفها، وكذا الصبى إذا بلغ عشرًا، وقال الإمام مالك: إِذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفا يُحَدُّ عليه، وقال أَبو حنيفة والشافعى وأَبو ثور: ليس بقذفٍ يُحَدُّ عليه، لأنها لو فعلته هي فلا يعتبر زنى في حقها، لأنها لم تبلغ حتى تدخل دائرة التكليف، ولهذا لا يقام عليها الحد، ولكن يعزر من سبها، ويقول ابن العربى تعقيبًا على هذا الخلاف: المسألة محتملة مشكلة، لكن مالكًا راعى حماية عرض المقذوف (١) وغيره راعى حماية ظهر القاذف، وحماية عرض المقذوف أَولى، لأن القاذف كشف ستره، فلزمه الحد (٢).
وقد بينت الآية أَن الحد إنما يقام على القاذف إِذا لم يأْت بأَربعة شهداءَ على واقعة الزنى، فإن جاءَ بهم فلا يقام عليه حد، ومثله ما إِذا اعترف المقذوف بالزنى أَو اللواط، فإنه يسقط الحد عن القاذف، ولابد في شهادتهم أن تكون رواية مفصلة لواقعة عاينوها بحقائقها، فإن امتنع أَحدهم عن الشهادة، وشهد غيره، جلد هؤلاء الثلاثة كما يجلد القاذف تمامًا،
(٢) انظر القرطبى في المسألة الحادية عشرة