التفسير
١٧ - ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾:
هذه الآية وما بعدها. مسوقة لتذكير المشركين بمسئوليتهم يوم القيامة عن ضلالهم دون من عبدوهم، وأن معبوداتهم تتبرأُ من شركهم، والمراد مما يعبدون من دون الله: جميع معبوداتهم من الأصنام، والكواكب، والملائكة، وعزير، والمسيح، وغيرهم.
واستعمال لفظ (ما) في العقلاء تغليبًا لجانب غيرهم لأنهم أكثر معبوداتهم، أَو لأنها قد تستعمل مع أهل العلم -، كقوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ أَي: ومن بناها وهو الله تعالى، وسؤاله تعالى للمعبودات ليس على حقيقته، فإنه أَعلم بما كان منهم، بل لتوبيخ عابديهم وإِفحامهم.
والمعنى: واذكر أَيها الرسول للمشركين يوم يجمعهم الله ومن أَشركوهم في العبادة مع الله، فيقول سبحانه للمعبودين إفحامًا لعابديهم، وإلزامًا لهم بمسئوليتهم وحدهم عن ضلال أنفسهم: أَأَنتم أَيها المعبودون أَضللتم عبادى هؤلاء عن الحق بدعوتهم إلى عبادتكم معى؟ أَم هم انحرفوا عن السبيل إلى مرضاتي بمحض إرادتهم؟ حيث كذبوا رسلى، وأهملوا النظر في آياتى.
وتوجيه السؤال إِلى الجمادات لا مانع منه عقلًا ولا شرعًا، فالله قادر على أَن يخلق فيها إدراكًا تعرف به السؤال، ويجعل لها صوتًا تجيب به على هذا السؤال، قال تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ أي: رجِّعى التسبيح مع داود والطير، وقال: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
١٨ - ﴿قَالُوا (١) سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ (٢):

(١) عبر بقالوا مع أنهم سيقولون ذلك يوم القيامة، للإيذان بتحقيق جوابهم هذا يوم الدين، فكأنه وقع فعلا فعبر عنه بصيغة الماضى.
(٢) لفظ (من) في قوله (من أولياء) صلة لتأكيد النفى، وكثيرا ما يؤتى بها بعد النفى لتأكيد، وأولياء مفعول نتخذ.


الصفحة التالية
Icon