لرسالتهم، بل هو من الصفات الفاضلة، والأَخلاق العالية، والآيات الواضحة على أَنهم صادقون فى رسالتهم عن الله، لا يبغون بها جاهًا، ولا يطلبون عليها أَجرا، ولا يكونون بها عالة على أتباعهم.
ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ (١) وقوله سبحانه: " ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ (٢).
﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾:
الخطاب هنا لجميع الخلائق وفيهم الأَنبياء، والمعنى: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة وابتلاءَ أَيها الناس فابتلينا الفقراءَ بالأَغنياءِ لننظر أَيصبرون أَم يضجرون والأَغنياءَ بالفقراءِ لنرى أيحسنون أَم يبخلون؟ وابتلينا الأَنبياءَ بأُممهم ليصبروا على مشاق تبليغهم ومعاداة المُصِرِّين على كفرهم، وهكذا جميع الطوائف المتقابلة، نبتلي بعضهم ببعض؛ لننظر ماذا يعملون؟ فنجزيهم على عَمَلهم لا على عِلمنا بهم، ولو شئنا أَن نجعل الناس أُمة واحدة لفعلنا. ولكن الحكمة جرت فى ابتلائهم بتخالفهم وتنوعهم.
أَخرج الإِمام مسلم بسنده عن رسول الله - ﷺ - قال: "يقول الله: إِنما بعثتك لأَبتليك وأبتلى بك" (٣) وفي مسند أحمد عن رسول الله - ﷺ - قال: "لو شئت لأَجرى الله معى جبال الذهب والفضة" وفى الصحيح أَنه - ﷺ - خير بين أن يكون نبيًا ملكًا أَو عبدا رسولًا، فاختار أَن يكون عبدا رسولا" (٤).
﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾: أَى عالما بالصواب فيما يبتلي به عباده، فلا تضيقنَّ بما يقولون، ولا يستخفنك، ما يفعلون، وسوف يجازيهم بما يظهرون وما يضمرون.
هذه الآية أَصل في تناول الأَسباب، وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك من الأَسباب، وكان أَصحاب رسول الله - ﷺ - يتجرون ويحترفون، والإِسلام لا يقر الناس على البطالة واعتماد بعضهم عَلى بعض في العطاءِ.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٨
(٣) مسلم: كتاب الجنة، باب الصفات التى يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار.
(٤) انظر ابن كثير.