الفصاحة والبلاغة - وجب التسليم بأنه من عند الله عَزَّ وَجَلَّ، وبأن محمدًا ﷺ لا يستطيع أَن يأْتي بسورة منه (١).
٢ - ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾:
أي هذا الذي نقصه عليك - أَيها الرسول - هو ذكر رحمة ربك لعبده ورسوله زكريا، وهذا إجمال يأتي تفصيله قريبًا. وزكريا عليه السلام نبى ورسول من أنبياء بني إِسرائيل، من ولد سليمان بن داود عليهما السلام. روى الحافظ ابن كثير وغيره أنه كان نجارًا يأكل من عمل يده في النجارة، وهكذا كان الأنبياءُ يأكلون من عملهم. وقوله تعالى:
٣ - ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾: - مرتبط بقوله سبحانه -: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾:
أَي أَن رحمة ربك أحاطت بعبده زكريا، حين دعا ربه دعاءً مستورًا عن الناس، ولم يسمعه أَحد منهم وإنما أَخفى دعاءه عليه الله السلام، وأَسر به وهو يتضرع إلى ربه؛ لأن الإِسرار بالدعاء أدل على الإِخلاص، وأَبعد عن الرياء، وأَقرب إِلى الخلاص من لائِمةِ الناس على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة.
قال ابن كثير عن بعض السلف: قام من الليل عليه السلام وَقد نام أَصحابه، فجعل يهتف بربه، يقول خفية: يا رب، يا رب، يا رب، فقال الله له: لبيك لبيك.
٤ - ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي.... ﴾ الآية.
هذا تفصيل وتفسير لكيفية ندائه ربه عليه السلام.
أي: إني ضعف عظمى ورق لكبر سنى. والمراد: ضعُفتُ وخارت قواى. وإِنما أُسند الضعف إلى العظم؛ لأن العظام عماد البدن ودِعَامُ الجسد، فإِذا أَصابها الضعف والرخاوة تداعى ما وراءها وتساقطت قوته!
﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾: أَي فشا الشيب وتغلغل في رأْسى، وسرى فيه كما تسرى النار في الحطب. ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾: أي ولم أَكن بدعائِى إِياك خائبًا في