على حقيقته الملكية لنفرت منه ولم تستطع مفاوضته، ومن عادة الملَك إِذا تصور بصورة إنسان أن يكون جميل الصورة، كما كان جبريل عليه السلام يأتي إِلى النبي - ﷺ - في سورة دحية رضي الله عنه، وكان من أجمل الناس. وقد يكون من الحكمة في مجيئه على الصورة الجميلة ابتلاؤها وسبر عفتها، ولقد ظهر منها من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه.....
١٨ - ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾:
أي لما تبدى لها جبريل عليه السلام في صورة إنسان، وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب - لَمّا حدث ذلك - خافته، وظنت أنه يريد بها سوءًا، فاستعاذت بالله - وهو أرحم الراحمين - أَن يحفظها برحمته منه. ولعل هذا هو السر في استعاذتها باسمه الرحمن دون غيره من أسماء الله الحسنى. وقولها ﴿إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ أي إن كنت تتقى الله تعالى وتخشى الاستعاذة به، فلا تمسَّنى بسوءٍ - فإني عائذة به ولاجئة إِليه.
١٩ - ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾:
أي قال جبريل عليه السلام مجيبًا إِياها، ومزيلا خوفها: إنمَا أَنا رسول ربك الذي استعذتِ به مني، فقد بعثنى إِليك لأكون سببا في هبته لك غلاما طاهرًا مباركا بالنفخ في حبيب درعك (١).
ومن اللطائف ما ذكره الآلوسى عن ابن عباس - رضى الله عنهما -، أَنها لما قالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ تبسم جيريل عليه السلام وقال: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾.