ابن زيد والسدى: كانت سنّة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام مطلقًا، وقيل الصوم هنا بمعنى الصمت، ولذا قالت عقبه: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ فكان صيامهم الصمت، وقد نذرته، وليس هذا في شرعنا وإن كان قربة في شرع من قبلنا، فإن نذره أَحد لا يلزمه الوفاء به لما فيه من المشقة، وقد دخل أبو بكر رضي الله عنه على امرأة نذرت أَلا تتكلم، فقال لها: إن الإِسلام هدم هذا فتكلمى، وكذلك فعل ابن مسعود (١). وقد تمسكت مريم بصمتها الذي نذرته حيث حكى الله عنها قولها:
﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾: أي إني أمتنع اليوم امتناعًا قاطعًا عن تكليم أحد من البشر فرارًا من مجادلة السفهاء الذين ينكرون وجود ولد بدون أَب، ويلِحُّون في الجدل وإثارة الشكوك حولى، وهي بهذه الطريقة المثل تقطع أَلسنة الذين يحبون أَن تشيع الفاحشة بالثرثرة والاختلاق والإعراض عن سماع الحجة، وقالت: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ لأن صيامها لا يمنعها من مناجاة رَبها أو التحدث مع الملائكة إِن حدثوها، وقيل إن قوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا.... ﴾، الآية من كلام عيسى: لما قال لها لا تحزنى، قالت له: كيف لا أحزن وأنت معى، لا ذات زوج ولا مملوكة، أي شيء عذرى عند الناس؟ قال لها:
أَنا أكفيك الكلام، ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا | ﴾ الآية. قال ذلك عبد الرحمن بن زيد ووهب (٢). |
(٢) تفسير الطبري.