ثلاثة، وقالت طائفة ثالثة هو الله، وفي تهديد هؤلاء جميعًا ووعيدهم يقول تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾: أَي فالهول المفزع والعذاب الأليم لهؤُلاء الكافرين بعيسى عليه السلام يوم يقع الحساب والجزاءُ العظيم، حين يتضح لهم أنه عبد الله ورسوله، وأمه طاهرة نظيفة العرض، وأن الله تعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وإن مصيرهم السعير وبئس المصير، وإنما أخر عقوبتهم إلى يوم الحساب، لأَنه لا يعَجِّل بعقوبة من عصاه، لعله يثوب إِلى رشده، ويتوب إِلى ربه، ويرجع عن غيّه ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ (١).
٣٨ - ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا... ﴾ الآية.
أي حين يأْتوننا يوم القيامة للحساب والجزاء، تكون أَبصارهم حادة وأسماعهم قويّة فلا يكون أحد أَسمع منهم ولا أبصر، بعد أَن كانوا في دنياهم عُميًا وصُمّا، فحالهم جدير بأَن يتعجب منه، وقيل هو تهديد وتخويف مما سيسمعون وينظرون يوم الموقف العظيم، مما تنخلع له قلوبهم وتسود برؤْيته وجوههم جزاءَ ما اقترفوا من صدّ وإعراض.
﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾: أي لكن الذين ظلموا أنفسهم في الدنيا في ضلال واضح بين، حيث أغْفلوا الاستماع والنظر، فاعتقدوا كون عيسى إلها معبودا مع أنه بشر مثلهم حملته أُمه كما حملتهم أُمهاتهم، وأكل وشرب واحتاج، ولكنهم في الآخرة يزولُ ضلالهم حين يسمعون الحق ويبصرون آياته، فيعترفون بأَنهم ظلموا أَنفسهم ظلما بينا باعتقادهم الفاسد في بنوة عيسى لله أو ألوهيته، وهيهات أن ينفعهم ذلك الاعتراف بعد فوات الأوان...
٣٩ - ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾:
أَي وأنذر الظَّالمين أَيها النبىّ وخوِّفهم من يوم القيامة الذي يتحسّرون فيه على ما فرطوا في دنياهم، وذلك حين يقضى الله في أَمرهم بسوءِ المصير وخالد العذاب - أنذرهم في دنياهم

(١) سورة إبراهيم، الآية: ٤٢


الصفحة التالية
Icon