هذا القول إِما أن يكون من الأَتقياء الذين ورثوا الجنة، فيكون المعنى أنهم ما يتنزلون إِلى وراثة الجنة إِلَّا بفضل الله الذي له ما بين أَيديهم من شئون الآخرة، تركوه وراءَهم من أُمور الدنيا وما بين ذلك من شئون البرزخ، فهو المهيمن عليهم في الدنيا والآخرة، وإِما أَن يكون من كلام جبريل عليه السلام بأمر ربه، يحكيه عنه القرآن الكريم، فقد أخرج أحمد والبخارى والترمذي والنسائي وجماعة عن ابن عباس في سببه قال: قال رسول الله - ﷺ - لجبريل عليه الصلاة والسلام: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾). والمعنى على هذا - وما ننزل إليك أو إلى شأْن من شئون الملكوت برغبتنا، وإِنما ننزل بأمر ربك تنفيذًا لمشيخته، فإِن زمام جميع الأمور بيد الله وحده فهو المالك لما بين أَيدينا من أَمر المستقبل وهو المسيطر على ما خلفنا من شئون الماضي وما هو كائن بين الماضي والمستقبل من الحاضر، وهو الذي يصرفنا بما يشاءُ كيف شاءَ مما تقتضيه حكمته الإِلهية، وهو سبحانه منزَّه عن السهو والنسيان فلن يغفل عنك فإنه ربك المنعم المتفضل الذي منَّ عليك برسالته.
٦٥ - ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾:
أي أنه سبحانه رب الكائنات جميعها من سموات وأَرضين وما بينهما من القوى والعوالم الكونية، فهو سبحانه الخالق المدبر فكيف ينساك أو ينسى سواك ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾. (١)
﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾: وبما أنه هو الخالق المدبر المسيطر على الزمان والمكان، فتوجه أنت وأُمتك إليه وحده بالعبادة واصبر على ما تقتضيه العبادة من جهود وتكاليف كما قال سبحانه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (٢).
﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾: أي أَنك يا محمد لا تعلم له سبحانه مشاركًا في اسم الربوبية للسموات والأرض وما بينهما، لأنه سبحانه لا شريك له في ذلك مطلقًا، ومن كان كذلك وجب إفراده بالعبادة والصبر عليها.
(٢) سورة طه، الآية: ١٣٢