وفي الأرض أصناف وأنواع لم يعرف نفعها البشر، وتتجلى لهم منافعها على الأيام عندما يحتاجون إليها في أُمور معاشهم وصلاح حالهم، كما أن هناك أشياء يظنها الناس ضارة لا نفع فيها ولكن الحاجة قد تلح في طلبها، وتدفع إليها، ولا يغنى عنها سواها في إصلاح أمر أو علاج علة أو إبراء مريض "ومن السموم الناقعات دواء".
٨ - ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾:
أي: إن فيما سبق من إنبات الأرض لكل الأصناف والأنواع التي تعين الإنسان وتقيم حياته، وتكون متاعا له ولأنعامه مع عجزه عن تدبير ذلك، إن في ذلك لدلالة واضحة وبرهانا ساطعا، على قدرة الله، وأنه - سبحانه - هو الجدير وحده بأن يؤمن به الناس كافة: "ففي كل شيء له آية: تدل على أنه الواحد" ولكن أكثر هؤلاء استمر على الكفر والتكذيب مع عظم الآية وسطوع البرهان، وانبلاج الحجة التي توجب أن يكونوا مؤمنين منقادين مذعنين.
٩ - ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾:
أي: وإن الله الذي يرعاك ويكلؤك هو صاحب العز الغالب والسلطان القاهر، وصاحب الرحمة الشاملة والنعمة السابغة، ومن رحمته أنه قد أمهلهم فلم يأخذهم بسبب كفرهم وإعراضهم واستهزائهم بما جئت به مع قدرته الكاملة وعزه الذي لا يقهر ولا يغالب، وإنما أكرمهم الله برحمته، وفاء بوعده لرسوله - ﷺ - ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ (١).
والآيتان: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ كررهما سبحانه في هذه السورة ثماني مرات، أولاها هذه، والسبع الباقيات عقب قصص موسى، وإبراهيم، وقوم نوح، وعاد مع هود، وثمود مع صالح، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة مع شعيب.
والحكمة في تكرارها: تنبيه كفار مكة وغيرهم إلى أن في كل قصة من هذه القصص عبرة وعظة توجب الإيمان، وتزجر عن التكذيب والعصيان.