وأنواعه، بصير بفنونه، كي يقابلوا موسى ويأتوا بنظير ما جاء به، أو بأشد منه تأثيرًا فتغلب أنت، وتكون لك النصرة والتأييد.
وكان هذا من تسخير الله - تعالى - لهم أن نطقوا بما نطقوا، وأتوا بمشورتهم هذه ليجتمع السحرة مع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله ومعجزاته قاهرة لجميع السحرة أمام الناس في وضح النهار.
٣٨ - ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾:
جمع رجال فرعون وأعوانه السحرة من جميع مدائن مملكته لوقت معين هو الضحى، من يوم معلوم هو يوم الزينة، وهو الوقت الذي حدده موسى - عليه السلام - ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ (١) ولعله كان يوم عيد لهم يتزينون فيه، ويجتمعون له، وقد اقترحه موسى - عليه السلام - لإظهار كمال قوته، وكونه على ثقة من أمره، وعدم مبالاته بهم، ليكون ظهور الحق وزهوق الباطل في يوم مشهود.
تكامل عقد السحرة، واجتمع شملهم، فيما حدد من زمان ومكان.
٣٩ - ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾:
قيل للناس استبطاءٌ لهم، وحثا ودفعا على المبادرة والإسراع إلى الاجتماع الذي جمع له السخرة البارعون الممتازون - قيل لهم -: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ هذا الاستفهام مجاز عن الحث والدفع، فكأنه قيل لهم: أسرعوا بمشاهدة هذا اللقاء بين سحرتنا وموسى (٢) وهذا الحث يشعر بأن فرعون مطمئن إلى نجاح سحرته الذين جلبهم وجمعهم من مدائنه.
٤٠ - ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾:
لعلنا بعد أن نشهد هذا التحدِّي الكبير نتبع السحرة إن غلبوا موسى، وكان قد قوى أملهم واشتد رجاؤهم أن لا يتحولوا عن دينهم خوفًا مما زعمه فرعون من قضاء موسى على سلطانهم بإخراجهم من ديارهم، فليس مرادهم بذلك أن يتبعوا دينهم حقيقة؛ فهم متبعوه، وإنما مرادهم أن لا يتبعوا موسى - عليه السلام - لكنهم ساقوا كلامهم مساق الكناية، حملا لهم على الاهتمام والجد في مغالبة موسى والانتصار عليه.
(٢) ويشبهه ما جاء في قول الشاعر تأبط شرًا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا | أو عبد رب أخاعون بن مخراق |