ولعل رسله إلى السحرة وعدوهم بحصولهم على أجر جزيل من فرعون إن هم غلبوا موسى - عليه السلام - فأرادوا أن يستوثقوا من ذلك بما حكاه الله عنهم بقوله: ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾.
والمعنى الإجمالي لهاتين الآيتين: فلما جاء السحرة من أطراف المملكة، تلبية لدعوة فرعون لينصروه على موسى وأخيه بسحرهم - لما جاءوا لذلك - قالوا لفرعون سائلين مستيقنين: أحق مؤكد أنك جعلت لنا مكافأة وأجرا، إن كنا نحن الغالبين لموسى لظهور سحرتنا وغلبتهم لعصاه في يوم الزينة على رؤوس الاشهاد؟ فأجابهم قائلا: نعم لكم أجر جزيل على ذلك، وإنكم مع حصولكم كل الأجر لمن المقربين عندي، لأنكم نصرتموني على عدوى الذي أخشاه على ملكي.
٤٣ - ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾:
جاء في سورة الأعراف أن السحرة قالوا لموسى: ﴿يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ (١) ومن هذا النص نفهم أن موسى - عليه السلام - لم يقل لهم: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ إلا بعد أن خيره السحرة بين أن يبدأ بإلقاء عصاه، وبين أن يبدأوا بإلقاء سحرهم، وقد خلت سورة الشعراء من هذا التخيير، كما أن صورة الإذن بالإلقاء في سورة الأعراف ﴿ألقوا﴾ وفي سورة الشعراء. ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ وقد عرفنا من سورة الأعراف أن السحرة لما ألقوا ما معهم ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ في يوم الزينة الذي احتشد له الناس ليشاهدوا المعركة بين الحق والباطل وآثارها، ولم يأت ذلك هنا، وبالجملة فقد اشتملت سورة الأعراف على مفارقات عديدة في قصة موسى مع فرعون، وكلما وجدت قصة موسى وفرعون في سورة، وجدت فيها مفارقات بالنسبة لسورة أخرى، ومثل ذلك يحدث في قصص غيره من المرسلين مع أممهم.