أي: وأعطينا القوم الذين كانوا يستضعفون في مصر - أعطيناهم - مشارق ومغارب الأرض التي باركنا فيها بالخصب والخير الكثير، وهي: فلسطين تحقيقا لوعدنا ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (١) روى عن الحسن البصري وقتادة أنهما قالا في تفسير مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها هي: أرض الشام، وعن زيد بن أسلم قال: هي قرى الشام، وعن عبد الله بن شوذب: فلسطين، ويؤيد هذه الروايات قوله تعالى في إبراهيم - عليه السلام -: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ (٢) وقوله سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (٣) وربما يتراءى أن إرادة أرض مصر هي الظاهر المتبادر من قوله تعالى في سورة الشعراء: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (٤).
وقوله في سورة الدخان: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ (٥) ولكن الأمر ليس كذلك، بل المراد أنهم أُورثوا بعض أملاك فرعون، فلقد كانت بلاد فلسطين والشام تابعة لمصر وفراعنة مصر، ولقد أعطى الله بني إسرائيل بدلا عن مصر التي أمرهم بتركها فلسطين التي في الشام. أ. هـ عن تفسير المنار ص ٩٧، ٩٨، ٩٩، ١٠٠ الجزء التاسع، بتصرف.
ويؤيده: أنه لم يثبت تاريخيا وأثريا أن بني إسرائيل ملكوا مصر واستولوا على أرضها، بل الثابت الذي يحدثنا به التاريخ أنهم بعد أن كانوا مستضعفين في مصر وخرجوا منها مع موسى لم يرجعوا إليها ولن يرجعوا - بإذن الله - ومكثوا يتيهون في الأرض أربعين سنة لمخالفتهم لله ورسوله وتقاعسهم عن قتال الجبارين كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم

(١) سورة القصص، الآيتان: ٥، ٦
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٧١
(٣) سورة الإسراء، من الآية: ١
(٤) سورة الشعراء، الآيات: ٥٧ - ٥٩.
(٥) سورة الدخان، الآيات: ٢٥ - ٢٨


الصفحة التالية
Icon