١١٨، ١١٧ - ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾:
لم يقصد نوح - عليه السلام - إخبار ربه - تعالى - بتكذيب قومه له؛ لأنه يعلم أن ربه بهم عليم، ولكنه يقصد الاعتذار عن دعائه على قومه ببيان سببه.
والمعنى: قال نوح بعد أن صبر على قومه دهورًا وهم يجادلون ولا يؤمنون - قال -: يا رب إن قوى استمروا على تكذيبي في دعوتي إياهم إلى الحق وأصروا على ذلك في دهورًا، فاحكم بيني وبينهم حكمًا يهلك به من جحد توحيدك وكذب رسولك، ونجني ومن آمن معى من العذاب الذي تنزله بهم، وهذه حكايته إجمالية لدعائه المفصل في سورة نوح.
١١٩، ١٢٠ - ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾:
أي: فَأَنجينا نوحًا ومن آمن معه في السفينة المملوءة بهم، وبما لا بد منه من الطعام والشراب والحيوان، وقد حمل فيها من كل زوجين اثنين، ثم أغرقنا بعد إنجائهم الباقين على الكفر، أو الباقين خارج السفينة لكفرهم.
١٢١ - ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾:
إن فيما ذكره القرآن من نبأ نوح وقومه لبرهانًا وحجة على قدرة الله وغضبه لمحارمه، وعلى صدق الرسول في نبوته، حيث حكى عن نوح ما لا سبيل له إلى علمه سوى الوحى، وما كان أكثر أمة نوح مؤمنين، فلذلك أهلكهم وأنجى المؤمنين، فلماذا لا يعتبر مشركو مكة بقصتهم، ويرجعوا عن غيهم، حذرًا من أن يبطش الرب الجبار بهم، كما بطش بهؤلاء المشركين قبلهم.
١٢٢ - ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾:
وإن ربك - أيها الرسول - لهو الغالب على ما يريده، القادر على استئصال أعداء دينه، فكل شيءٍ دونه مقهور مغلوب لقدرته، وهو الرحيم المنعم بدقائق النعم، الكثير الرحمة، فلذا أخر العقوبة عنهم أحقابًا ودهورًا، ولم يقطع الرزق عنهم مع قبح فعلهم.