بذلك أن قصص الأنبياء في القرآن من عند الله، وليست بأَساطير كما زعموا، ومع هذا لم يؤمنوا به، وقالوا: إِنَّه سحر أَو شعر ومن افتراءٍ محمَّد - ﷺ -.
ولو نزلناه عربيا على أَعجمى لا يعرف العربية، ونطق به نصيحًا، ما آمنوا بأَن هذا القرآن من عند الله مع أن هذا الأَعجمى لا يتوهم أَحد أَنه يستطيع الإِتيان بمثله، ولا قراءته بفصاحته، لأنهم قوم معاندون يتمسكون بدين آبائهم، ويقتفون أَثرهم كما قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)﴾ (١).
وقد وصف الله عنادهم بقوله: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ (٢).
٢٠٠ - ٢٠٣ - ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾:
المراد من المجرمين: مشركو مكة، وقد يراد من المجرمين: جنس المجرمين. فيدخل فيه مشركو مكة دخولًا أَوليا.
والمعنى: مثل هذه الحال من الإصرار على التكذيب والكفر بالقرآن سلكنا القرآن وأدخلناه في قلوب المجرمين، فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحود ومكابرة كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)﴾ (٣)، قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ أي: لا يزالون على الكفر حتى يبصروا العذاب الشديد الملجىء إلى الإِيمان به.
أو المراد: أَدخلنا القرآن في قلوب المجرمين، ففهموا معانيه، وعرفوا فصاحته، وأنه خارج عن قدرة البشر من حيث النظم المعجز، والإِخبار عن الغيب، واتفاق علماء بني إسرائيل على أن كتبهم المنزلة قبله تضمنت البشارة بإِنزاله، ورسالة من أُنزل عليه بذكر أوصافه.
(٢) سورة الحجر: ١٤ - ١٥
(٣) الآية ٧ سورة الأنعام.