والمراد بقوله: ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ القرآن نفسه، وتنكيره للتعظيم والتفخيم، وقد وصف به على سبيل العطف للإيذاَن بأَنه جامع بين صفتين: إِحداهما، أَنه معجزة مقروءَة على الدوام، وثاَنيتهما: أَنه كتاب مبين لما اشتمل عليه من الحِكم والأَحكام، وأَحوال القرون الأُولى والمعجزات الكونية، وأَحوال الآخرة، والعقائد النظيفة التي لا تناقض فيها ولا استحالة، وكما أَنه موضح لما ذكر فهو واضح لكل قارئ ولكل سامع، فلا يصعب فهمه على أَحد، أُميا كان أَو قارئا.
وقد فاقت معجزة القرآن سائر المعجزات السابقة؛ لأَنها لا وجود لها الآن، فأَين عصا موسى، وناقة صالح، وإبراءُ الأَكمه والَأبرص، وإِحياءُ: الموتى من عيسى بإذن الله؟ لقد ذهبت كلها وأَصبحت خبرًا بعد عين، ولولا أَن القرآن أَيدها لكانت موضعًا لا شك والريبة. أَما معجزة القرآن فهي باقية ما بقى الزمان، واضحة الإعجاز والبيأَن، لأن شريعته التي جاءَ بها هي الشريعة العامة لبشرية، الخاتمة لجميع الشرائع، فلذلك جعله الله آية باقية مقروءَة مكتوبة، بينة مبينة محفوظة من التغرير والتبديل، بكفالة العزيز الحكيم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. (١)
ومعنى الآية: طس: تلك السورة آيات وعلامات من القرآن وكتاب مبين للعقائد الصحيحة، والأحكام السديدة، والأخلاق الرشيدة، والغيبيات على ما هي عليه، والكونيات وما ترشد إليه.
٢، ٣ - ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾:
أَي هذا القرآن عظيم الهداية والبشارة للمصدقين، الذين يضمون إِلى تصديقهم به إقامتهم الصلاة في مواقيتها، وإيتاءهم الزكاة لمن يستحقها، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب مصدقون، لا يشكون ولا يمارون ولا يجادلون بل يعملون لها مخلصين، فإن إيمانهم بها يحملهم على صدق النية وإخلاص العمل، خوفًا من العقاب، ورغبة في جميل الثواب.