وحينئذ قال لأهله: إني أبصرت نارًا سأتيكم منها بخبر عن الطريق الذي نصل منه إِلى مصر بسؤال من أوقدوا هذه النار، أَو آتيكم بشعلة مقتبسة ومأْخوذة من هذه النار التي أراها، لعلكم (١) بهذه الشعلة المقبوسة تستدفئون إذا جعلتها داخل حطب وأوقدته بها.
وإِدخال السين على الفعل في قوله: "سآتيكم" لتأْكيد الوعد وتحقيقه - كما قال الزمخشرى - ولإِفادة مجيئه عن قرب حتى لا يستوحش أَهله لتركه إِياهم في هذا المكان.
٨ - ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:
في الكلام مضاف مقدر، أَي: فلما جاءَها بورك مَن في مكان النار ومَنْ حول مكانها، والمراد من مكان النار: البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ (٢) والمراد ممن في بقعة النار ومن حولها: كل من في هذا الوادى وحواليه من أَرض الشام التي باركها الله بمبعث الأَنبياء ودفنهم بها، ولا سيما تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى - عليه السلام - وقيل: من في بقعة النار: موسى - عليه السلام - ومن حولها: الملائكة، وقيل: العكس.
وقد نبه الله على جلال المقام، وتنزهه - تعالى - عن الحلول وعن صفات البشر، بأَن ختم الآية بقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
والنار التي رآها موسى - عليه السلام - لم تكن نارًا حقيقية، فقد كانت نورًا كما روى عن ابن عباس: (لم تكن نارًا، إنما كانت نورًا يتوهج)، وهذا النور من نور الله تعالى - كما روى عنه.
ونقل القرطبي عن ابن عباس والحسن أَن المعنى: قدس من في النار وهو الله - سبحانه وتعالى - عنى به نفسه (٣) تقدس وتعالى، ثم عقبه بقوله: قال ابن عباس ومحمد بن كعب:
(٢) سورة القصص، من الآية: ٣٠
(٣) أَنكر الإِمام هذه الرواية وقال إنها موضوعة، وقال أبو حيان: إذا ثبتت هذه الرواية عن ابن عباس وغيره، كان معناها بورك من قدرته وسلطانه في النار ومن حولها. وقد شرحها القرطبي على هذا النحو حذرًا من فكرة الحلول التي يأباها الإِسلام، وينزه عنها ابن عباس وأعلام الصحابة والتابعين، وقد نقلنا ما قاله القرطبي في ذلك، وستراه بعد قليل.