هذا في الدنيا، أَما في الآخرة وهم في حضرته - تعالى - فإنهم لا يخافونه خوف عقاب وإن خافوه خوف إجلال؛ لأنهم صفرة عباده وأَحرصهم على تقواه.
وبعد أَن بين الله أَن المرسلين لا يخافون في حضرته - تعالى - عقب ببشارة عامة لكل من أَحسن بعد الإساءَة من عباد الله - تعالى - فقال - سبحانه -:
١١ - ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾:
ولفظ: "إلاّ" هنا بمعنى (لكن) وهو ما يسمى في عرف النحاة بالاستثناء المنقطع، والمعنى: لكن من ظلم نفسه بارتكاب عمل سىء، ثم بدل فأَتى بعمل حسن بعد عمله السىء تائبًا إِلى ربه، فلا يخاف، فإِنى عظيم الغفران واسع الرحمة.
وهذه الرحمة بالتائبين مقررة في آيات كثيرة من القرآن كقوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ (١)، وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (٢) وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ (٣).
١٢ - ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾:
بينت الآية السابقة أن الله - تعالى - أَرى موسى كيف يحول العصا الخشبية إِلى حية تسعى، وجاءَت هذه الآية لتبين معجزة أُخرى ودليلًا باهرًا على قدرة الله - تعالى - وأَنها مع سابقتها يؤيده الله بهما في رسالته إِلى فرعون وقومه في ضمن تسع آيات تشهد برسالته، وتقوم بها حجة الله عليهم إِن لم يستجيبوا له، إِذ يعاقبهم على كفرهم أَشد العقاب.
والآيات التسع التي أَشارت إِليها الآية هي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، والطمسة، والجدب.
(٢) سورة النساء، الآية: ١١٠
(٣) سورة طه، الآية: ١١٢