﴿أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ (١).
وقد أَضافت هذه الآيات من سورة (ص) الريح إِلى جنوده المسخرين له في هذه السورة، وبهذا اكتمل له عِزٌّ وجاه ليس لأَحد من العالمين، لِحِكَمٍ سنعرض لها - إِن شاء الله - عند الكلام على تفسيرها في سورة (ص).
وقد بينت الآية هنا أَنه حشر له جنود من الأَصناف الثلاثة، ولم تبين الغرض الذي جمعت له، ولهذا اختلف العلماء في بيانه، فقال قائل: إنهم جمعوا ليقاتل بهم من لم يدخلوا في طاعته، وقال آخر: بل جمعوا ليذهب بهم إِلى مكة، ليشكر الله - تعالى - على ما وفقه له من بناءِ بيت المقدس، والأَول هو الظاهر من المقام، أَما الثاني فلا دليل عليه.
وجمع هذه الأَصناف مع كفاية الِإنس أَو الجن، لإِظهار نعمة الله وأُبهة الملك وبث الرعب في قلوب الأَعداء.
والظاهر أَن المراد من جمعها جمع طائفة من كل نوع، لا جمعها كلها؛ لأن الذين يخرجون للقتال عادة وسياسة هم بعض الجنود لا كلهم، ويترك الباقون لحفظ البلاد من الأعداءِ المتربصين.
والظاهر أَن الحاشر لكل نوع من الثلاثة أفراد منهم معدون لمثل ذلك، ولا غرابة في أَن يكون للطير لغة تتخاطب بها، وإدراك يعي هذا الخطاب، فالآية صريحة في أن للطير منطقا علمه الله سليمان - عليه السلام -.
بل لقد أثبت القرآن ذلك بما لا يدع مجالًا للشك في جميع الحيوانات، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ (٢) فقد أثبتت الآية أن كل الدواب على الأرض والطيور في جو السماء، أُمم لها خصائص تماثلنا، وإن اختلفت في كيفية هذه الخصائص ومستواها، والقرآن الكريم لم يقتصر على بيان

(١) الآيات: ٣٥ - ٣٨
(٢) سورة الأنعام، من الآية: ٣٨


الصفحة التالية
Icon