والمعنى الإجمالي للآية: وأعلمنا أم موسى أن ترضعه وقتما تكون آمنة عليه، فإذا خافت عليه من الجواسيس أَلْقَتْه في تابوت في النيل، كما أعلمناها أنه موضع رعايتنا، فلا تخاف عليه ضَيْعَةً، ولا خطرا من عدم رضاعه، ولا تحزن على مفارقته إيَّاها إنا سنرده إليها عن قرب ونجعله من المرسلين حينما يبلغ سن الرسالة.
وهذا ما نراه في معنى الآية الكريمة حسب نصها، وللمفسرين كلام كثير حول قصة وضعه وإخفائه وخوفها عليه من جواسيس فرعون، وننقل فيما يلي ما قاله ابن كثير في ذلك فإنه احتاط فيه أكثر من غيره - وإن لم نجد له سندًا - ونراه تصويرًا للحال حسب الخيال أقرب من أن يكون حكايته للمقال.
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يفنى بنو إسرائيل، فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون: إنه يوشك - إذا استمر هذا الحال - أن يموت شيوخهم، وغلمانهم لا يعيشون، ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك، فأمر بقتل الولدان عامًا وتركهم عامًا، فولد هرون في السنة التي يتركون فيها الولدان، وولد موسى - عليه السملام - في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وكان لفرعون أناس موكلون بذلك، وقوابل يدرن على النساء، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها، لا يقبلها (١) إلاَّ نساء القبط فإن ولدت جارية تركنها وذهبْن، وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة، فقتلوه ومضوا - قبحهم الله - فلما حملت أُم موسى - عليه السلام - لم يظهر عليها مخايل العمل كغيرها، ولم تفطن لها الدايات، ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا، وخافت عليه خوفا شديدًا، وأحبته حبًّا زائدا، وكان موسى - عليه السلام - لا يراه أحد إلاَّ أحبه، قال تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾، فلما ضاقت ذرعا به أُلهمت في سرِّها، ونُفِث في روعها كما قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ الآية. وذلك أن دارها كانت على حافة النيل، فاتخذت تابوتا
(١) يقال: قبلت القابلة المرأة: إذا تلقت ولدها حين ولادته.


الصفحة التالية
Icon