فاستعان الإسرائيليُّ بموسى وطلب منه نصره ومساعدته على خصمه القبطى، واستجاب له موسى وأعانه وضرب القبطى فقتله من غير قصد، ثم أسف موسى وقال: إن إقدامي على هذا من تزيين الشيطان وإغوائه، إن الشيطان للإنسان لعدو ظاهر العداوة واضح الضلال والإضلال.
واختلف في سبب تقاتل هذين الرلجبن، فقيل: كان أمرا دينيا، وقيل: كان أمرًا دنيويا، روى أن القبطى كلف الإسرائيلى حمل الحطب إلى مطبخ فرعون فأبى، فاقتتلا لذلك، وكان القبطى - كما روى عن سعيد بن جبير - خبازا لفرعون، والله أعلم بصحة ذلك.
١٦ - ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾:
قال موسى - متضرعا داعيا ربه -: يا رب إني أسأت إلى نفسي، بما فعلت من ضرب ترتب عليه القتل، وكان فيه ذهاب النفس، فاغفر لي ذنبي، وهكذا ندم على عمله فحمله ندمه على الرجوع لربه والاستغفار من ذنبه فغفر الله له.
ولا يشكل ذلك على القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر قبل الرسالة وبعدها، لأن الوكز من الصغائر، وما وقع من القتل كان خطأ كما قاله كعب وغيره - بل قيل: لا يشكل أيضًا على القول بعصمتهم عن الصغائر والكبائر مطلقا لجواز أن يكون - عليه السلام - قد رأى أن في الوكز دفع ظالم عن مظلوم وتخليص ضعيف من قوي، ومنْعَ معتد من اعتدائه، ففعله غير قاصد به القتل، وكأنه - عليه السلام - بعد أن وقع منه ما وقع تأمل، فظهر له إمكان الدفع بغير الوكز، وأنه لم يتثبت في أمره لما اعتراه من الغضب، فعلم أنه فعل خلاف الأولى بالنسبة إلى أمثاله، فقال ما قال من أنه من عمل الشيطان على عادة المقربين في استعظام خلاف الأوْلى:
١٧ - ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾:
قال موسى - خاضعا سائلا ربه متوجها إليه -: يا رب بحق إنعامك عليّ بالمعرفة والحكمة والتوحيد، وحفظي من شر فرعون وقومه وفقني للخير والصواب، فإن وفقتنى إلى ذلك