قال الزمخشرى: فإن قيل: كيف ساغ لنبى الله أن يرضى لبنتيه بسقى الغنم؟
فالجواب: أن الأمر في نفسه ليس بمحذور فالدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادات متباينةٌ فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحَضر، خصوصا إذا كانت الحال حال ضرورة.
قال ابن كثير ج ٣ ص ٣٨٤: وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو على أقوال: أحدها: أنها شعيب - عليه السلام - الذي أرسل إلى أهل مدين وهذا هو المشهور عند كثير من العلماء، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد، ورواه ابن أبي حاتم، قال: حدثنا أُبَيّ، حدثنا عبد العزيز الأزدى، حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه موسى القصص.
وقال آخرون: بل كان ابن أخي شعيب، وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب، وكان شعيب قبل زمن موسى بمدة طويلة، لأنه قال لقومه: ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ ولقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل - عليه السلام - كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم، وكان بين الخليل وموسى مدة طويلة، وما قيل: إن شعيبا عاش مدة طويلة إنما هو- والله أعلم - احتراز من هذا الإشكال، ومما يقوى كونه ليس بشعيب النبي أنه لو كان إياه لكان جديرا أن ينص على اسمه في القرآن ها هنا، وما جاء من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده، ثم الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه شيرون - والله أعلم -.
ويقول الآلوسى - بعد أن ساق مثل ما تقدم -: والأخبار التي وقفنا عليها في هذا المطلب مختلفة ولم يتميز عندنا ما هو الأرجح فيها.
٢٤ - ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾:
اهتز وجدان موسى، وتحركت عوامل الرحمة في قلبه، فتطوع لمساعدتهما وسقى غنمهما لأجلهما، ثم ركن إلى مكان ظليل ليستريح من الجهد الذي بذله، وهو يقول في تضرع وتذلل لربه: يا رب إني فقيرٌ إلى ما تسوقه إليّ من خير، محتاج إلى شيء تنزله من خزائن كرمك، ويبدو من عبارته شدة الحاجة إلى نجدة من رحمة الله بعد ما قاسى من سفر طويل وحرمان شديد، فعرَّض بالدعاء ولم يصرح بالسؤال.