أثْرى مناهل الرحمة وهو بر الوالدين والإحسان إليهما، وقد نزلت هذه الآية في سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - بعد إسلامه حيث حلفت أُمّه "حمنة (١) " بنت أبي سفيان أَلاَّ تنتقل من الضِّح (٢) إلى الظل، ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد، فلبثت ثلاثة أيام، فجاءَ سعد إلى رسول الله - ﷺ - فشكا إليه فنزلت هذه الآية، فأمره رسول الله - ﷺ - أن يداريها بالإحسان.
وقيل: نزلت في عباس بن أبي ربيعة وقد فعلت أُمه مثل هذا الفعل، وسواء أكان نزولها في هذا أَم ذاك، فهي لجميع الأمة؛ لأن الإحسان إلى الوالدين مطلوب من كل مسلم.
ومعنى الآية: أمرنا الإنسان بإِيتاء والديه، وإيلائهما كل فعل ذي حسْن يرضيهما ويوفر راحتهما، ويحقق البر بهما ما دام في كل هذا طاعة الله، فإن ذلك يحقق له الثواب وعظيم الأجر، ويعود على الوالدين بالخير والراحة والإحسان، فإن ابتغى الوالدان أو أحدهما من الولد شيئًا فيه معصية، أو جاهداه وحملاه حملًا على أن يشرك بالله ما ليس له علم بأُلوهيته وإنما يعلم بطلانه، فلا يطعهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن مع التلطف في معاملتهما، والصبر على ابتلائه بهما؛ فإنه لا يصبر على بلاءِ الله إلاَّ صديق.
وقوله - تعالى -: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: معناه؛ إليَّ وحدي نهايتكم جميعًا منْ آمن منكم ومن أشرك، ومن برَّ والديه ومن عقهما، فأكشف لكم عن هذا كله، وأُجازي كلاًّ بعمله، الخير بالخير، والشر بالشر.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾
(٢) الضح: نور الشمس.