إلى أجل سماه الله وحدده، لا يعدوه ولا يقصر عنه، قيل: هو يوم القيامة، وقيل: إلى منتهى ومدار معلوم، الشمس تجرى فيه إلى آخر العام والقصر يسرى فيه إلى آخر الشهر..
وهذا الإيلاج بالنسبة لعالمنا الأرضي والعوالم المماثلة لنا، وليس عند الله ليل ونهار، وقدمت الشمس على القمر في قوله: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ لأنها كالمبدإ للقمر، ولأن تسخيرها لغاية عظمها أعظم من تسخير القمر، وعطف ﴿سَخَّرَ﴾ الماضي على ﴿يُولِجُ﴾ المضارع، فخالف بين المعطوفين لأن إيلاج واحد من الليل والنهار في الآخر متجدد يختلف طولًا وقصرًا، وحرارة وبردًا، بخلاف تسخير الشمس والقمر، فإنه لا تجدد فيه ولا تعدد، إنما التجدد والتعدد في آثاره كما يشير إليه قوله - تعالى -: ﴿كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
وقوله - تعالى -: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ معطوف على ﴿أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ﴾ داخل في حيز الرؤية؛ فإن من شاهد مثل ذلك الصنع لا يكاد يغفل عن كون صانعه - عز وجل - محيطًا بجلائل أعماله، خبيرًا بدقائقها، فلا يَنِد عنه أمر من أُمورها، ولا يخفى عليه شأن من شئونها.
٣٠ - ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾:
أي: ذلك المذكور من الآيات الكريمة، والمشاهد الواضحة من سعة العلم، وكمال القدرة، واختصاص الباري - تعالى - بذلك ثابت بسبب أن الله - تعالى - وحده هو المتقق في ذاته وفي جمع صفات الكمال اللائقة بربوبيته، وأن ما يدعونه من دونه من الآلهة الباطل المعدوم الذي لا يقوم على أُلوهيته دليل، وأن الله هو العلي على جميع الأشياء، الكبير عن أن يتصف بنقص، أو أن يكون له شريك.
٣١ - ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾:
تصور هذه الآية مظهرًا آخر من مظاهر قدرته، ومشهدًا من مشاهد آياته في الأرض بعد أن صورت الآيات السابقة مظاهر القدرة في السماء.