﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾: أي لا تعلم كل نفس برة أو فاجرة، عاجزة أو قادرة، مؤمنة أو كافرة، ما يجرى عليها من الرزق أو من الأعمال في غدها. ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ أي: وما تعلم نفس - أية نفس - في أي مكان أو زمان تموت.
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ أي: إن الله واسع العلم فلا يعزب عن علمه شيء من الأشياء التي من جملتها مفاتح الغيب، خبير يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.
واختلاف التعبير بين الجملة الاسمية في قوله - تعالى -: ﴿عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ والجملة الفعلية بعده في قوله - تعالى -: ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ للدلالة بالتعبير الأول على مزيد الاعتناء باختصاص أمر الساعة، وعلى شدة خفائها، وبالتعبير الآخر على استمرار تجدد المتعلقات بحسب تجدد المتعلقات مع الاختصاص.
وهكذا تنتهى سورة لقمان بذكر مفاتح الغيب التي استأثر الله بعلمها، كما تدل عليه الأحاديث والآثار؛ فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة من حديث طويل أنه - ﷺ - سئل: متى الساعة؟ فقال للسائل: ما السئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربَّها، وإذا تطاول رعاة الإبل البُهْمِ في البنيان، هن في خمس لا يعلمهن إلاَّ الله - تعالى - ثم تلا النبي - ﷺ -: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ... ﴾ الآية. هكذا في بعض الروايات، ولعل هذا الاستئثار بهذه الخمس من قيض رحمة الله - تعالى - ومزيد فضله؛ لتأخذ الدنيا حظها من التعمير في غير تخوف ولا تعويق، وليعلم الخلق أن مفاتيح رزقهم عند الله، وأسبابه عنده، فيقبلوا عليه بالدعاء، وينقطعوا إليه بالرجاء، وليرضى كل إنسان بما يقضي له الله به من الذرية ذكورًا أو إناثًا، ويجعل من يشاء عقيمًا، وليبيت كل مخلوق معتمدًا على ربه فيما يجرى عليه من رزق في غَدِه، فلا تغره قوته ولا تخدعه حيلته ومهارته، ويسعى لتحصيله حيث كان، حتى يدركه أجله فيما لا يعلمه من مكان وزمان.
وليست المغيبات محصورة في هذه الخمس، وإنما خصت بالذكر لوقوع السؤال عنها، أو لأنها كثيرًا ما تشتاق النفوس إلى العلم بها، وبالجملة فالمغيبات لا تتناهي، فسبحان العليم الخبير.