التفسير
١ - الم:
هذه الآية ابتداءُ سورة السجدة، وهي سادسة ست سور بدئت بهذه الأحرف، وقبلها سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة العنكبوت، وسورة الروم، وسورة لقمان، ثم هذه السورة، وقد تقدم الكلام عليها مبسوطًا في سورة البقرة وفي غيرها من هذه السور.
٢ - ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:
الكلام في هذه الآية يجري على نمط الكلام الذي في السور المشاركة لها في البدء بالحديث عن القرآن الكريم، ومن ذلك أنه الكلام المنزل من رب العالمين الذي لا مجال فيه لشك، ولا مدخل لريب، كما في قوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾. و ﴿الم﴾ إن جعل اسما للسورة أو القرآن فهو خبر لمبتدأ محذوف، و ﴿تَنْزِيلُ﴾ خبر ثان، و ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ خبر ثالث، و ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ خبر رابع، والتقدير: هذا الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين، والمراد من التنزيل اسم المفعول، أي: مُنزَّل الكتاب، وهناك إعرابات أخرى فارجع إليها إن شئت.
والمعنى: هذه السورة التي تسمى الم لا شك في أنها - كسائر القرآن - منزلة من رب العالمين الذي يعلم مصالح عباده، ولكن المشركين يمارون في الحق ويجادلون فيه ويزعمون أن هذا القرآن من عند محمد كما حكى الله عنهم بقوله:
٣ - ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾:
أثبتت الآية الأولي أن هذا القرآن تنزيل من رب العالمين لا سبيل فيه إلى شك، بل هو أبعد شيءٍ عنه، ثم أضرب - جل وعَلَا - عن ذلك إضرابًا انتقاليًا مشوبا بالإنكار بقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ أي: بل أَيقول المشركون افترى محمد القرآن على الله من عنده، وأعانه عليه قوم آخرون، وقوله: ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ إضراب إبطالي عن دعواهم الاختلاق، وتسفيه لعقولهم، وإثبات أن هذا القرآن هو الحق الصادق


الصفحة التالية
Icon