أي: ثم جعل ذرية آدم المخلوق من طين - جعلها - مخلوقة من خلاصة من ماءٍ مبتذل لا يُعبَأُ به عند الناس وهو المني، فإنهم يتخلصون منه بغسل موضعه، وسميت الذرية نسلًا لأنها تنسل من الإنسان، وتنفصل عنه.
٩ - ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾:
أي: ثم قوَّمه وعدَّله بتكميل أعضائه، وتنسيقها في الرحم، وتصويرها على ما ينبغي ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ أي: أدخل فيه الروح المملوكة له، وأجرى فيه الحياة. وقوله - تعالى -: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ معناه: خلق لكم هذه الأعضاء الكريمة لمنفعتكم، فتستعينون بها على حياتكم، وتيسير أموركم الدينية، والدنيوية المختلفة، وإن أيسر ما تقابل به هذه النعم هو الشكر عليها، وصرفها فيما خلقت له، ولكنكم قليلًا ما تشكرونها، بأداء حق الله فيها.
١٠ - ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾:
هذه الآية استئناف كلام جديد مسوق لبيان أباطيلهم وأنه لم يقف أمرهم عند عدم الشكر، بل جاوزه إلى الكفر وإنكار البعث. ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي: أئذا خفينا في الأرض التي دفنت فيها أجسامنا، وتحللت أجزاؤنا، وصرنا ترابًا مخلوطًا بترابها، أيعقل أن نبعث ونعود إلى خلق جديد؟ ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ أي: إن أمر هؤلاء المشركين لا يقف عند إنكار البعث بل يتجاوزه إلى كفرهم بلقاء ربهم، والمراد من لقائه - تعالى -: لقاء ملائكته وما يكون بعده من حساب وجزاء فهم يكفرون بالبعث وكل ما يتصل به من شئون الآخرة.
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)﴾