﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ (١)... ﴾ فبين الله - تعالى - أن القرابة أولى من الحلف، فتركت الوراثة بالحلف وورثوا بالقرابة. ويرجع ذلك إلى أن المسلمين لما توالدوا في الإِسلام وكثروا عدل بهم إلى التوارث بالقرابة بعد قطعه بسبب الكفر.
والمراد من كتاب الله: اللوح المحفوظ، أو القرآن الكريم، والمراد من لفظ (المؤمنين) الأَنصارُ، ومن لفظ (المعروف) في قوله: ﴿إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا﴾: الوصية، ومن (الأولياءِ) الأَصدقاء من المؤمنين، ويدخل فيهم المهاجرون والأنصار، فإن الوصية تصح لكل مؤمن ومؤمنة وتقدم على الميراث بالقرابة والمصاهرة، - لقوله - تعالى - في سورة النساء: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ (٢)﴾ بشرط أن تكون لغير وارث، قوله - ﷺ -: "لا وَصية لوارث" ومن العلماءِ من عمم المعروف في كل بر وخير، فيشمل الوصية وغيرها من أنواع البر كالهبة، ومنهم من عمم الأولياء فأجاز الوصية لليهود والنصارى إذا كانوا موالين، وبه قال محمَّد بن الحنفية. وغيره، ومنهم من قصر المعروف في غير المسلم على الأَقارب منهم كالوالدين والأَولاد، ومن أراد المزيد فليرجع إلى المطولات.
والمعنى العام للآية: النبي أحق بالمؤمنين من أنفسم؛ لأَنه أكثر منهم رعاية وعناية بمصالحهم، فحبه مقدم على حبهم لأَنفسهم، وتنفيذ أمره وشرعه مقدم على تنفيذ رغباتهم وشهواتهم، فهو أعرف بمصلحتهم الدنيوية والأُخروية منهم، وأزواجه - ﷺ - كأُمهاتهم في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام، والبر والإعظام فلا يحل الزواج بإحداهن بعده، ولا التفريط في أي حق من حقوقهن، إعظامًا لمقام نبينا محمَّد - ﷺ - وإجلالًا لقدره في أُمته، وهن فيما عدا ذلك كالأَجنبيات، فلا تجوز الخلوة بهن كما تجوز
(٢) سورة النساء من الآية: ١١.