وقال معاتبا للذين قلقوا واضطربوا في أَمرهم يوم الأحزاب وللمتخلفين: لقد كان لكم (١) في رسول الله أُسوة حسنة فهلا اقتديم به وتأسيتم بشمائله؟ والآية وإن سيقت للاقتداء به - عليه السلام - في أمر الحرب من الثبات في القتال ونحوه، فهي عامة للاقتداء به في كل أفعاله "ما لم يُعلم أنها من خصوصياته".
أخرج الشيخان والنسائى وابن ماجه وغيرهم عن ابن عمر: أنه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت أيقع على امرأَته قبل أن يطوف بين الصفا والمروة؟ فقال: لما قدم رسول الله - ﷺ - طاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين، وسعى بين الصفا والمروة ثم قرأَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ أي: لمن كان يأْمل رحمة ربه ورضوانه، ونعيم اليوم الآخر وهو يوم القيامة أو يخاف الله واليوم الآخر، فالرجاءُ هنا بمعنى الأَمل أو الخوف، وقرن - سبحانه وتعالى - بالرجاء كثرة الذكر لأَن المثابرة على كثرة ذكره - عَزَّ وَجَلَّ - تؤدي إلى ملازمة الطاعة وبها يتحقق التأَسي والاقتداءُ برسول الله - ﷺ -.
وصرح بعض الأَجلة كالإِمام النووى أَن ذكر الله المعتبر شرعًا ما يكون في جملة مفيدة كسبحان الله، والحمد لله، وأَجمعوا على أن الذكر المتعبد بمعناه لا يثاب صاحبه ما لم يستحضر معناه، فالمتلفظ بنحو: سبحان الله والحمد لله إذا كان غافلا عن المعنى لا يثاب إجماعًا.
٢٢ - ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾:
هذا بيان لما صدر عن خلص المؤْمنين وصالحي المسلمين عند اشتباه الشئون، واختلاط الظنون بعد حكاية ما صدر عن غيرهم.
أراقت بنو مروان ظلما دماءنا | وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل |