سامعا مطيعا فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة، فما صلى كثير من الناس العصر إلا بعد العشاءِ الآخرة لقول رسول الله - ﷺ - فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، فقال لهم رسول الله - ﷺ -: "تنزلون على حكمى؟! " فأبوا، فقال: "على حكم سعد بن معاذ" فرضوا به، فقال سعد: حكمت فيهم أَن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم ونساؤُهم، فكبر النبي - ﷺ - وقال: "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أَرقعة" (١) ثم استنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقا وقدمهم فضربت أعناقهم، وروى أن النبي جعل عقارهم للمهاجرين دون الأَنصار، فقالت الأنصار في ذلك، فقال: "إنكم في منازلكم" وقال عمر - رضي الله عنه -: أَما تخمس كما خمست يوم بدر؟ قال: "لا، إنما جعلت هذه لي طعمة دون الناس" قال: رضينا بما صنع الله ورسوله - اهـ: الكشاف بتصرف.
والمعنى: وأنزل الله الذين عاونوا الأحزاب المخذولة وساعدوهم على حرب رسول الله من أهل الكتاب، وهم بنو قريظة - من اليهود من بعض أَسباط بني إسرائيل - كان قد نزل آباؤُهم الحجاز قديما طمعا في اتباع النبي الأُمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (٢) واقتلعهم من قلاعهم التي تحصنوا بها، وحصونهم التي امتنعوا خلفها، وأَلقى في قلوبهم الخوف الشديد، لأنهم مالأُوا المشركين على حرب الرسول -، وهم يعرفون صفاته في كتبهم، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليكون لهم العز والغلبة والشوكة، فرد الله عليهم كيدهم في نحرهم، انهزم المشركون ورجعوا بصفقة المغبون، وتركوا حلفاءهم من بني قريظة لنصيبهم المحتوم، وراموا استئصال المؤْمنين فاستئصلوا، ولهذا قال - تعالى -: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾: فالذين قُتِلُوا هم المقايلة، والأَسرى هم النساءُ والذرارى.
٢٧ - ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾:
(٢) سورة البقرة من الآية: ٨٩