ومن العلماء من فسر نصر الله الذي يفرح به المؤمنون بغير ما تقدم، فقد فسره بعضهم بصدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس، ومنهم من فسره بتولية بعض الظالمين بعضًا وتفريق كلمتهم حتى تناقضوا وتحاربوا، وأضعف كل منهم شوكة الآخر، تمهيدا لغلبة الإسلام، وهذه آراء جيدة، وإن كان الرأي الذي ذكرناه في المعنى هو المناسب لقوله - تعالى - ﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾ ولهذا رجحه المفسرون.
٦ - ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾:
هذه الآية مؤكدة للوعد السابق بنصر الروم في بضع سنين وفرح المؤمنين بهذا النصر. والمعنى: وعد الله بنصر الروم على الفرس وعدًا لا خلف فيه، فإن الله لا يخلف وعده، لاستحالة الكذب عليه - تعالى - ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه - سبحانه - وعدهم بذلك لعدم تصديقهم القرآن فيما أخبر به عن الله - تعالى - أو لا يعلمون قدرة الله على تحقيقه لفساد رأيهم.
٧ - ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾:
هذه الآية مؤكدة لما جاء في الآية السابقة من أن أكثرهم جاهلون لا علم عندهم.
والمعنى: أن معرفتهم بالحياة الدنيا لا تتجاوز ظاهرها، حيث يعلمون منافعها ومضارها العاجلة، ومتى يزرعون، ومتى يحصدون، وكيف يجمعون وكيف يبنون، وكيف يندمون عاجلًا بزخارفها، ويلتذون بملاذها، ويتمتعون بمشتهياتها، فهم لا يشعرون أنها مزرعة الآخرة، ووسيلة إلى نيل الرغائب الجليلة فيها، فهم: ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾.