والمعنى: لا توجد الشفاعة رأسًا، ولا تتأتى أصلا عند الله - تعالى - في حال من الأحوال إلا لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأْهلين للشفاعة المستحقين لها فقد قال تعالى: ﴿لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ وعدم الإذن للأصنام بالشفاعة واضح، فلا مجال لنجاة عابديهم.
ويمكن أَن يكون المعنى: لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن الله لشفيعه بشأنه، فلقظ ﴿مَنْ﴾ في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ واقع على الشفيع في المعنى الأول وعلى المشفوع له في المعنى الثاني، وحاصل المعنى عليه: أن الشفاعة لا تنفع من الشفعاء المستاهلين إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة، وهم المقصرون من أهل الإيمان ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص، ولمن شفاعة الأصنام بدلالته، إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة، فلأَن يحرموها ابن جهة العجزة عنها بالكلية أولى.
ومما تجدر الإشارة إليه أَن المراد بنفي نفع الشفاعة نفيها رأسًا، وإنما علق النفى بنفعها دون وقوعها تصريحًا بنفى ما هو غرضهم من وقوعها. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ معناه: حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم بظهور تباشير الرضا بالشفاعة من الله ذي الجلال والإكرام، قال المشفوع لهم المتلهفون على الإذن بالشفاعة المهتمون بأَمرها، قالوا للشفعاء: ماذا قال ربكم في شأن الإذن بالشفاعة؟ قال الشفعاء: قال ربنا القول الحق حيث أذن بالشفاعة للمستحقين لها، وهو المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه، وهذه الجملة وهي: ﴿الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ من تمام الكلام الجاري على آلسنة الشفعاء، قالوها اعترافًا بغاية عظمة الله وقصور شأن كل من سواه.
وقال القرطبي في معنى الآية: إنه إذا أذن للشفعاء في الشفاعة، وورد عليهم كلام الله فزعوا، لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل، والخوف أن يقع في تنفيذ ما أذن لهم فيه تقصير، فإذا سرى عنهم قالوا للملائكة فوقهم - وهم الذين يوردون عليهم الوحى بالإذن -: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾ أي: ماذا أمر الله به. ﴿قَالُوا الْحَقَّ﴾: وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾: فله أن يحكم في عباده بما يريد.