التفسير
٢٤ - ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾:
لما ذكر الله أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات والأرض بقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ (١) أمر - سبحانه وتعالى - نبيه - ﷺ - بأن يقرر المشركين بقوله: ﴿مَنْ يَرْزُقُكُمْ﴾ ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ أي: الله يرزقكم، وذلك للإشعار بأنهم مقرون بقلوبهم إلاَّ أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به؛ لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال: فما بالكم لا تعبدون من يرزقكم؟ وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق؟ وقد كانوا يقرون بألسنتهم مرة، ويتلعثمون مرة، عنادًا وإصرارًا وحذرا أن تلزمهم الحجة، ونحوه قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ (٢).
أي: قل - أيها الرسول - لهولاء المشركين إلزاما لهم: من يرزقكم من السموات والأرض، فينزل لكم الأمطار ويسوق لكم الأرزاق زرعًا نضيرا، وثمرًا وفيرًا، وغير ذلك من سائر الأرزاق ظاهرها وباطنها، وقيل لهم بعد الإلزام والإفحام: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: وإن أحد الفريقين منا معاشر الموحدين، ومنكم أيها المشركون لمتصف بأحد الأمرين: الاستقرار على الهدى، والتمكن من الحق، أو الانغماس في الضلال البيِّن الواضح.
وهذا من الكلام المنصف الذي يقول كل من سمعه موافقًا أو مخالفًا - يقول - لمن خوطب به: لقد أنصفك صاحبك.
(٢) سورة الرعد، من الآية: ١٦.