التفسير
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾:
الفطر في اللغة أصلًا: بمعنى الشق، كأنه - تعالى - شق العدم فأخرج منه السموات والأرض ثم شاع إطلاقه على الابتداء والاختراع.
أخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإِيمان وغيرهما عن ابن عباس قال: (كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها - يعني ابتدأتها -) والمقصود من فطر السموات والأرض أنه - تعالى - أبدعهما من غير مثال سبق.
والملائكة: أجسام نورانية، خلقهم الله لطاعته: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ والأجنحة في اللغة بمعنى: الأيدي، وهي لكل كائن بحسبه، فاليد في الإنسان معروفة الشكل، وفي الطيور لها ريش مصفوف عليها يعينها على الطيران، وأمّا في الملائكة فإنها تتناسب مع نورانيتهم، والله - تعالى - هو الذي يعلم وصفها وشكلها والمقصود من قوله - تعالى -: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ أن الملائكة لا يتساوون في عدد الأجنحة، فطائفة بجناحين لكل منهم، وأخرى بثلاثة أجنحة، وثالثة بأربعة أجنحة، ولعل ما في الآية من باب ضرب المثل، وأن من الملائكة مَنْ له أكثرُ من أربعة أجنحة (١)، وهل المقصود من ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ أن نصف هذه الأجنحة في الجانب الأيمن من الملائكة، والنصف الثاني في الجانب الأيسر منهم حسب درجاتهم، أم أن العدد مكرر في الجانبين؛ لأن الأجنحة الثلاثة لا تنقسم. كل ذلك من باب الغيب الذي يترك علمه إلى الله وحده.
والمقصود من (الخلق) في قوله - تعالى -: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ إما الملائكة، على معنى أنه - تعالى - يزيد أي عددهم أو في عدد أجنحتهم ما يشاء، وإما جميع الخلق، أي: أنه - تعالى - صاحب الإرادة والمشيئة في جميع خلقه، فيزيد فيهم صنفا وعددًا وجمالًا وحسنًا، وعقلًا وعلمًا وغير ذلك مما يناسب كل صنف حسب حكمته جل وعلا.