ينبهنا الله بهذه الآية إلى أنه - تعالى - مع قدرته على خلق الأشياء المتباينة طبعًا فهو قادر علي أن يجعلها مشتركة في بعض المنافع، وأن يجعل بعضها منفردًا ببعض آخر منها، والبحر في اللغة: الماء الكثير ملحًا كان أو عذبًا، فكل ماء مستبحر في المحيطات والبحار والبحيرات والخلجان والأنهار صغيرها وكبيرها يسمى بحرًا، والاشتراك بين الملح والعذب في هذه التسمية واضح من النص الكريم، وقد بين الله في هذه الآية أن البحرين العذب والملح نأكل منهما لحمًا طريا هو السمك بمختلف أنواعه وأحجامه، والتعبير عنه باللحم الطري للإشارة إلى لطافته وسهولة مضغه لضعف أليافه، وأنه يكاد يكون لحمًا خالصًا لقلة العظم فيه بالنسبة إلى سائر الحيوان، كما أشار بالأكل منهما إلى المسارعة في أكله قبل أن يفسد.
كما ذكر أننا نستخرج من كليهما حلية نلبسها، كاللؤلؤ والمرجان، ولكن المعروف أن ذلك لا يستخرج إلا من الملح دون العذب.
وقد أجاب النحاس عن ذلك: بأن الله جمع البحرين في اللحم الطري وأفرد أحدهما في الحلية وهو الملح، كما في قوله - تعالى -: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ والسكون في الليل، والابتغاء من فضله في النهار، وقال غير: إنما تستخرج الأصداف التي فيها الحلية من الدر وغيره من المواضع التي فيها العذب والملح نحو العيون، فهو مأخوذ منهما، لأن في البحر الملح عيونًا عذبة، وبينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج، وقيل: من مطر السماء (١).
على أن الحلية ليس بلازم أن تكون من اللؤلؤ والمرجان، فأي مانع من اتخاذ حلية من عظام السمك الضخم في المياه العذبة الفسيحة الأطراف، كالبحيرات الاستوائية، ولهذا قال بعض قدامى العلماء: لا يبعد أن تكون الحلية من الماء العذب عظام السمك التي يصنع منها قبضات للسيوف والخناجر، فتحمل ويتحلى بها.
وجاء في التفسر المنتخب للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن العلم أثبت وجود الحلية في الماء العذب، كما أثبته الواقع، ففي المياه العذبة بإنجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان وغيرها توجد أنواع من أصداف اللؤلؤ من الماس والياقوت، إلى غير ذلك، فارجع إلى تعليقه في الهامش على هذه الآية؛ فإنه نفيس.

(١) انظر القرطبي.


الصفحة التالية
Icon