والمعنى: ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى يوم القيامة، بل كل نفس تحمل إثمها الذي اقترفته، فلا تؤاخذ نفس بما لا تقترفه كما يفعل جبابرة الدنيا من أحذ الجار بجاره، والمولى بوليه.
وأما قوله - تعالى -: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ فهو وارد في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم الناس مع أثقال ضلالهم، وذلك كله من أوزارهم فليس فيه شىءٌ من أوزار غيرهم، والمراد بأثقالهم: ما كان بمباشرتهم، وبما معها: ما كان بسببهم.
والمعنى: وإن تدع نفس مثقلة بحملها من الذنوب إنسانًا ليتحمل عنها بعض أوزارها لم تُجب يحمل شيء منه، ولو كان المدعو ذا قربى من الداعي كأب أو ولد أو أخ، إذ كل مشغول بنفسه كما قال - تعالى -: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ (١).
وروى عن عكرمة: أن الرجل يأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول له: ألم أكن بك بارًّا، وعليك مشفقًا، وإليك محسنًا، وأنت ترى ما أنا فيه؟ فهب لي حسنة من حسناتك، أو تحمل عني سيئة. فيقول: إن الذي سألتني يسير ولكنى أخاف مما تخاف منه، وإن الأب يقول لابنه مثل ذلك، فيرد عليه نحوا من هذا، ثم تلا عكرمة: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾.
وقال الفضيل بن عياض: هي المرأة تَلْقَى ولدها فتقول: يا ولدى، ألم يكن بطنى لك وعاء؟ ألم يكن لك ثديي سقاء؟ ألم يكن حجرى لك وطاء؟ فيقول: بلى يا أماه، فتقول: يا بني، قد أثقلتنى ذنوب فاحمل عني منها ذنبًا واحدا، فيقول: إليك عني يا أماه فإني بذني عنك مشغول.
﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ استئناف مسوق لبيان من يتعظ بها ذكر، أي: إنما تنذر بهذه الإنذارات ونحوها الذين يخشون ربهم غائبين

(١) سورة عبس، الآيات: ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٣٧.


الصفحة التالية
Icon