وقوله - سبحانه -: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ تكملة لقوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ بتعيين من يخشى الله - عَزَّ وَجَلَّ - من الناس، بعد بيان اختلاف طبقاتهم، وتباين مراتبهم، أي: إنما يخشاه بالغيب العلماءُ الذين علموه بصفاته فعظموه، ومن ازداد علمًا به ازداد منه خوفًا، وأَحق الناس بخشية الله هم العلماءُ الذين عرفوا أسرار اختلاف هذه الموجودات مع أَنها من أَصل واحد، ومَنْ عِلْمُه به أَقل كان آمنا لجهله وسوء نظره فيما وراء هذه الحياة؛ لأَن مدار الخشية معرفة المخشى والعلم بشئونه، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: "أنا أخشاكم لله وأَتْقاكم له"، وقال الربيع بن أَنس: من لم يخش الله فليس بعالم، وقال مجاهد: إنما العالم من خشى الله - عَزَّ وَجَلَّ - وأسند الدارمى أبو محمد عن مكحول قال: قال رسول الله - ﷺ -: (إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم تلا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾) وحيث كان الكفار بمعزل عن هذه المعرفة لم يفد إنذارهم بالكلية إلاَّ من ألقى السمع وهو شهيد.
وتقديم لفظ الجلالة وتأْخير العلماء يؤذن أن الذين يخشون الله من عباده العلماءُ دون غيرهم، وقرئ برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء، ويكون المعنى: إنما يعظم الله من عباده العلماء ويجلهم، فالخشية مستعارة للتعظيم؛ لأَن المعظَّم يكون مهيبًا.
﴿إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾: تعليل لوجوب الخشية لدلالة العزة على كمال القدرة على عقوبة العصاة وقهرهم، ودلالة المغفرة على إثابة أهل الطاعة والعفو عنهم، والمعاقب المثيب حقه أن يُخشى، ولا يوصف بالمغفرة والرحمة إلاَّ القادر على العقوبة.
وفي بعض الآثار: نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - وقد ظهرت عليه هذه الخشية حتى عرفت فيه.