التفسير
١١ - ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾:
لما قررت الآية السابقة أَن إنذار الرسول وعدمه سواء فيمن أَصر على تنكب طريق الصواب ناسب أَن تجىءَ هذه الآية لتجلية حقيقة من ينتفع بأُسلوب التذكير من القلوب اللينة، والنفوس الخصبة التي تحسن اتباع القرآن خشية من الرحمن، وجاءت الآية بعدها لبيان أَن الله هو الذي يحيي موات القلوب، كما يحيي الموتى، وذلك حين يجىءُ أَوان الهداية، وقد حدث ذلك عند فتح مكة.
والمعنى: إِنما يجدى الإِنذار، ويؤْتى ثماره، ويتحقق نفعه، وتظهر آثاره مع من اتبع القرآن وتدبره، وأَدام فكره ونظره فيه، وتأَمل معانيه، ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان، وخشي الرحمن بالغيب، فخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة أهواله، أَو خشى الرحمن وهو غائب عنه، أَو خشي الرحمن وتحاشى معصيته في سريرته، كما يتحاشاها في علانيته وجلوته، فمن كان هذا حاله، وذاك سلوكه، فهو حري أَن يبشره بمغفرة واسعة؛ وأَجر كريم عظيم، لا يقادر قدره، ولا يخضع للتقدير حَزْره.
١٢ - ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾:
تنتهي الآيات السابقة كلها بهذه الآية تذييلا عامًا ينتظم المصممين على الكفر، والمنتفعين بالإنذار والتخويف ترهيبًا وترغيبا، ووعيدًا ووعدًا، وإيذانًا بأَن الله الذي سوف يحيى موتاهم عند البعث، سيحيى موات قلوبهم حينما يجىءُ أَوان هدايتهم، وقد تم ذلك في السنة الثامنة من الهجرة حيث أَسلموا جميعًا عند فتح مكة.
والمعنى: إنا نحن - وحدنا دون غيرنا - القادرون على أَن نحيى الموتي جميعًا المؤْمنين منهم والكافرين، المصدقين بالبعث منهم والمكذبين، ونبعثهم يوم القيامة للحساب والجزاءِ، ونكتب ونثبت ما قدموا وأَسلفوا من الأَعمال الصالحة وغير الصالحة، ونحفظها لهم، ونثبت آثارهم التي يبقى بعد موتهم ثوابها من الحسنات: من علم علَّموه،


الصفحة التالية
Icon