به من الحق يكذبون ويجحدون، والحسرة كما قال الراغب: الغم على ما فات والندم عليه، والمراد بالعباد مكذبو الرسل ويدخل فيهم المهلكون المتقدمون دخولا أَوَليا.
٣١ - ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾:
أَي: أَلم يعلموا فيتعظوا بمن أَهلك الله قبلهم من القرون الماضية والأُمم السابقة المكذبين للرسل وهم كثيرون، أَلم يروا كيف قضينا أَنهم إليهم لا يرجعون، وليس لهم في هذه الدنيا كرة ولا رجعة، ولم يكن الأَمر كما زعم كثير من جهلتهم من قولهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (١) وهم القائلون بالدور من الدهرية وغيرهم من الذين يعتقدون أَنهم يعودون إِلى الدنيا كما كانوا فيها، يحكى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أَنه قيل له يوما: إن قوما يزعمون أَن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: بئس القوم نحن: نكحنا نساءَه وقسمنا ميراثه، أَما تقرءُون: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾.
٣٢ - ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾:
بيان لرجوع الكل إِلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إِلى الدنيا، أَي: ما كل الأُمم السابقة واللاحقة إلا مجموعون لدينا مقهورون على الحضور إلينا يوم القيامة فنجازيهم بأَعمالهم كلها خيرها وشرها، وهذا كقوله - تعالى -: ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ (٢)، وفي الآية دليل على أَن المهُلَك عقابا لا يترك بل يعذب في الآخرة على كفره فوق ما ناله من عقاب في الدنيا.

(١) سورة (المؤمنون) الآية: ٣٧.
(٢) سورة هود، من الآية: ١١١.


الصفحة التالية
Icon