بالذكر لأنهما غذاءٌ ودواءٌ وفاكهة، وشققنا فيها من عيون الماء ما ينبت الشجر، ويخرج الزهر وينضج الثمر.
والجنات: جمع جنة - وهي كما قال الراغب - الجنة - كل بستان ذي شجر يستر بأَشجاره الأَرض، وقد تسمى الأَشجار الساترة جنة، من الجَنِّ وهو الستر.
٣٥ - ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾:
أَي: وجعلنا فيها جنات ليأكلوا مما خلق الله فيها من الثمر، وليأْكلوا من الذي عملوه وصنعوه بأَيديهم، والمراد به: ما يتخذ من الثمر كالعصير والدبس وغيرهما، وقال الزمخشري: وما عملته أيديهم من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك من الأعمال إِلى أَن بلغ الثمر منتهاه، وإِبَّان أَكله، يعني أَن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه، وفيه آثار من كد بني آدم.
ويجوز أَن تكون (ما) نافية في قوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ والمعنى: وما عملت الثمر أيديهم فهو من خلق الله، وأثر ذلك عن ابن عباس والضحاك وغيرهما.
﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ إنكار واستقباح لعدم شكرهم للمنعم بالنعم الكثيرة، وحث ودعوة إِلى شكر المتفضل، ويكون الشكر بالتوحيد، والعبادة، وحسن الثناء على الله، والاعتراف بآلائه.
٣٦ - ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾:
استئناف مسوق لاستعظام ما ذكر في الآيات الكريمة قبلها من بديع آثار قدرته، وأَسرار حكمته، وروائع نعمائه، الموجبة لشكره، والمقصود من قوله: ﴿سُبْحَانَ... ﴾ تنزيه الله - تعالى - عن كل نقص وتخصيصه بالعبادة، والتعجيب من إخلالهم بذلك والحال هذه.
والمعنى: تنزيها وتقديسا لله الذي خلق الأَشياءَ كلها على سنن: الذكورة والأُنوثة من النبات والإِنسان ومما لا يعلم الناس، قال - تعالى -: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (١).