التفسير
٦٠ - ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾:
هذه الآية من جملة ما يقال لبني آدم الذين تركوا عبادة الله طاعة للشيطان، وذلك بطريق التقريع والتبكيت والإلزام بين الأمر بالامتياز ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُون﴾ والأمر بمقاساة جهنم ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
والعهد بمعنى الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة، والمراد به هنا: مختلف الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادة الله - تعالى - الزاجرة عن عبادة غيره، التي أَبلغها الرسل إلى بني آدم، ومن ذلك قوله - تعالى -: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾. فكأَن العهد مستعار لإقامة البراهين والحجج.
وفسره بعض المفسرين بالميثاق المأخوذ علي بني آدم في عالم الذر في قوله - سبحانه -: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾.
والمراد بعبادة الشيطان: طاعته فيما يوسوس به إليهم من معصية الله، عبر عنها بعبادته لزيادة التنفير منها، وجوز أن يراد بها عبادة غير الله من الآلهة الباطلة، وإضافتها إلى الشيطان لأنه الآمر بها والمزين لها، فالتجوز في النسبة.
ومعنى الآية: أَلم أوصكم يا بني آدم أن لا تطيعوا الشيطان فيما يوسوس به إليكم من المعاصي، لأنه لكم عدو مبين واضح العداوة، فقد أَخرج أبويكم من الجنة، فلماذا أَطعتموه حتى أصبحتم بطاعته مجرمين كافرين مستحقين للخلود في النار.
٦١ - ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)﴾:
معطوف على (أن لا تعبدوا الشيطان) داخل معه في العهد، أي: أَلم أعهد إليكم بأَن لا تعبدوا الشيطان وبعبادتي وحدي، فهذا العهد صراط مستقيم لا عوج فيه، فلماذا تنكرتم لعهدي، وخالفتم وصيتي فاتبعتم الشيطان وأطعتموه، وتركتم عبادتي، وعبدتم آلهة أشركتموها معي؟.