ولكن المحققين حملوه على التمثيل لا على الحقيقة، فالمعنى المراد: أنهن في اعوجاج طباعن يشبهن الضلع الأعوج ولهذا عقبه بقوله: "وإن أَعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا" فهذا يشير إلى اعوجاج طباعهن، وأن أكثر الاعوجاج في رءوسهن حيث توجد ألسنتهن، فإن حاولت أن تجعل امرأتك مستقيمة الطباع بعيدة عن خطأ اللسان فشلت، وانتهت محاولتك في إصلاحها إلى كسرها، وهو كناية عن إصابتها بَدَنيا أو نفسيا، أو عن طلاقها، كمن يحاول إصلاح الضلع الأعوج فإنه يفشل، وتنتهي محاولته إلى كسره، وإن تركتها دون تقويم وتهذيب بقيت على اعوجاجها، كما يبقى الضلع على اعوجاجه إذا تركته، وخير الأمور الوسط، وهو الوعظ برفق، والتغاضي عما يدفع إليه الطبع غالبا، وما من رجل أو امرأة إلا له عيوب.
وخير ما تحمل عليه الآية: أن المرأة خلقت من جنس الرجل، فكانت على نظام خلقه، لا فرق بينهما إلا الذكررة والأنوثة ولهذا عقب خلقها منه بقوله: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ فإن خلق الزوجة من جنس زوجها - تكوينا وعقلا - يؤدى إلى سكون الزوج إليها وقيام المودة والرحمة بينه وبينها، بخلاف ما لو خلقت من جنس حيواني آخر، فإن الأمر يكون بينهما على التباين والتناقض.
أما مبدأ خلق حواء، فقد قيل: إنه من فضلة طينة آدم، ولكن التوراة صريحة في أنها خلقت من أحد أضلاع آدم، كما جاء في سفر التكوين (الإصحاح الثاني ٢١ - ٢٣) والله أعلم بصحة ذلك.
والمعنى الإجمالي للآية: ومن دلائل ربوبيته - تعالى أنه خلق لكم - أيها البشر - أزواجا من جنسكم جسدًا وعقلا، لا يفرق بينكم وبينهن سوى الذكورة والأُنوثة، ليسكن الرجل منكم بالزواج الشرعي إلى زوجه، وإن لم يكن يعرفها من قبل، وليبقى بمباشرتها الجنس البشريُّ، وليطمئن إليها بالعشرة معها، فإن الجنس يميل إلى جنسه ويألفه، بخلاف ما لو كانت من جنس آخر، وجعل بينكم مودة ورحمة، فكلاكما يحب الآخر


الصفحة التالية
Icon