والمعنى: وما علمنا محمدًا الشعر قبل أن يقول ما قال، حتى يصح زعمكم أن محمدًا شاعر وما جاء به شعر، وليس القرآن من قبيل الشعر لا وزنا ولا غرضًا ولا تكوينًا، فالشعر متكلف مصنوع، ومبني على خيالات وأَغراض واهية، وتصورات ومبالغات مخالفة للواقع، حتى قالوا: أَعذب للشعر أكذبه، وله أَوزان معينة وقواف ثابتة، أما القرآن فليس له أوزان الشعر ولا خيالاته الواهية، ولا أغراضه الهزيلة، ولا يعرف الأكاذيب التي تصور الباطل حقًّا والحق باطلا، ولا يعرف المبالغات التي تجعل من الحبة قبة، ومن القليل كثيرًا، بل نظم فريد لا عهد للبشر بمثله، ولا يستطيعون أن يحاكوه، اشتمل على العقائد النظيفة ذات البراهين العقلية، والأدلة الكونية، كما اشتمل على الأحكام المنظمة لشئون الخلق، المعلمة لحقوق الخالق، الموصلة إلى سعادة الدارين، وعلى الأخلاق العالية، والحكم السديدة، فأَين الثرى من الثريا، وإِذا انتفى أن يكون شعرًا انتفى أن يكون من جاء به شاعرا؛ لأنهم وصفوه بالشاعر من أجله ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أي: وما ينبغي الشعر لمحمد - ﷺ - ولا يليق به، ولا يستقيم له عقلا؛ لأَنه كما قال ابن الحاجب: لو كان ممن يقوله لتطرقت التهمة عند كثير من الناس في أن ما جاءَ به من قبل نفسه، وأنه جاء من تلك القوة.
وقال غيره في معنى ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾: وما يصح الشعر له؛ لأنه يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن، ولأن من أحسنه المبالغة والانحراف في الوصف، وغالبه يميل إلى الكذب، فلا يليق بمحمد والذي عرف بالصدق منذ صباه.
وقد حدث أن النبي - ﷺ - قال بعض عبارات قابلة لأوزان الشعر، مثل قوله يوم حنين: "أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب" وهذا لا يجعل صاحبه شاعرًا؛ لأنه كلام يرد على الخاطر من غير قصد إلى الشعر، كما يحدث لكثير من الناس.
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾: أي: ما القرآن إلا وعظ وتذكير من الله تعالى، لخلقه ليسيروا على المنهج المستقيم، وكتاب سماوي يقرأ ليعمل به، واضح أنه من عند الله - تعالى - بما يشتمل عليه من ألوان الإعجاز، فأين هو ممَّا افترى عليه من الوصف بكونه شعرًا ومن جاءَ به شاعرا.