والزجر يطلق لغة على المنع والنهي والحث والسَّوْق، ولا يكون الزاجر إلاَّ متسلطًا، وليس بلازم أَن يصحب الزجر صياح كما في أصل معناه، ووصف الملائكة به لزجرهم الأجرام العلوية والسفلية على وجه يناسب المزجور، من سوق كما في سوق السحاب إلى مواقع المطر، أو حث كما في أمر رئيسهم لمرءُوسهم، أو نهي كما في زجر العباد عن المعاصي بالتخويف من عواقبها، أو منع كما في كف الشياطين عن الإغواء واستراق السمع، وكما أن الملائكة صافات وزاجرات، فهم يتلون ذكر الله فيما بينهم في جملة ما يذكرونه من معارف وتلاوات، يعلمها الله، كما يتلونه عندما يبلغون الأنبياء وحيه سبحانه.
وحمل هذه الأوصاف على الملائكة قال به ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة، وغيرهم. والملائكة ليسوا إناثًا لقوله - تعالى -: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ (١) ووصفهم هنا بأوصاف الإناث مراعاة لتاء التأْنيث في لفظها؛ ولأن الجمع يجوز تأنيث وصفه أو ضميره على معنى الجماعة.
وقيل: إنه - تعالى - أقسم بطوائف الأجرام السماوية المرئية كالصفوف المرصوصة، وبالأرواح الزاجرات، أي: السائقات لها في مداراتها، حيث ترعاها وتدبر أمرها، والمراد بها الملائكة الموكلة بها، وبالجواهر القدسية الذين يَتْلون ذكر الله، وهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، والمراد بها الملائكة الكروبيون، وقيلي: أقسم بنفوس العلماء التي لها هذه الصفات الثلاثة، وقيل: بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد، والزاجرين الخيل، أو العدو، التالين لذكر الله لا يشغلهم العدو عنه.
ونحن نقول: لا مانع من إرادة من يتصف بهذه الصفات في طاعة الله ممن ذكروا ومن غيرهم، تعظيمًا لشأنهم، والعطف إما لتغاير الذات أو لتغاير الصفات، وإن اتحدت الذات وكان العطف بالفاء للإيذان بالترتيب الوجودي أو الشرفي.
وقد يقال: ما فائدة القسم بأن الإله واحد عند المنكرين، والجواب: أن القسم لتعظيم المقسم به، وتأكيد المقسم عليه - كما هو المعروف عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم -

(١) سورة الزخرف، الآية: ١٩.


الصفحة التالية
Icon