وحتى تعظم قيمة هذا المثل في الإِفحام عند القاريء نقول:
إن المشركين كانوا معترفين بأن أوثانهم عبيد الله - تعالى - فقد كانوا يقولون في تلبيتهم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك".
ومعنى الآية، ذكَر اللهُ لكم مثلا لإشراككم عبيد الله معه في الأُلوهية، وهذا المثل منتزع من أنفسكم أيها البشر: هل لكم من عبيدكم الذين ملكتهم أيمانكم - هل لكم منهم - شركاءُ فيما رزقناكم من الأموال وسواها، فتكونوا أنتم وإياهم في حق ملك ما رزقناكم والتصرف فيه سواء بحيث تخافونهم أن يستبدوا بتصرف ما، كخوفكم أيها الشركاء الأحرار بعضكم من بعض.
وخلاصة هذا المثل الذي ابتدأ بالاستفهام الإنكاري: ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.. ﴾ خلاصته أنه ليس لمماليككم حق الشركة في أموالكم، فإذا كنتم تأْبون أن يشرككم عبيدكم في أموالكم وهم مثلكم في البشرية غير مخلوقين لكم، بل لله - تعالى - فكيف تشركون باللهِ - تعالى - في المعبودية والأُلوهية التي هي من خصائصه الذاتية - كيف تشركون به مخلوقه بل مصنوع مخلوقة؟ - جل وعلا - حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه؟ وكيف يرضي الله بذلك؟ مثل ذلك التفصيل الواضح يفصل الآيات ويبينها لقوم يستعملون عقولهم في فهم حقائق الأُمور.
٢٩ - ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾:
إضراب وإعراض عن مخاطبة المشركين لجهلهم واتباع أهوائهم، وكأنه قيل: لم يفعلوا شيئا من الآيات المفصلة قبل هذه الآية، بل اتبعوا أهواءهم الزائفة التي ظلموا بها أنفسهم حيث عبدوا غير الله بجهالة وسوء رأي، مع تمكنهم من العدم من فتحوا قلوبهم للحق، فمن يستطيع هداية من أضلهم الله عن الحق بسبب إعراضهم عنه، وما لهؤُلاء الضالين من ناصرين يخلصونهم من الضلال وتبعاته.