يدل عليه المقام، أَي: وحق القرآن إِنه لمُعجز، أَو إنه ليجب العمل به، وقيل: الجواب قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾.
٢ - ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾:
معنى الآية مع ما قبلها كما يلي: وحق القرآن المشتمل على التذكير والعبرة إِنه ليجب الإيمان به، لكن الكافرين لم يؤمنوا، لا لخَلَل وجدوة فيه، بل لأَنَّهم في استكبار شديد عن أتباع الحق، وشقاق أَي: مخالفة لله ومعاندة ومشاقَّة لرسوله، ولذلك كفروا به.
وأَصل الشِّقاق: إِظهار المخالفة على وجه المساواة للمُخالِف، أو على وجه الفضيلة عليه، وهو مأخوذ من الشِّق أَي: كأَنه في شِق غير شِق صاحبه، فهو يترفَّع عليه بأَن يكون معه في شِق واحد، ومثله المعاداة، وهو أَن يكون أَحدهما في عُدْوَة والآخر في عُدْوَة، والتعبير بفِي في قوله تعالى: ﴿فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ للدلالة على استغراقهم فيهما، والتنكير في (عزة وشقاق) لشدتهما.
٣ - ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾:
وعيد لهم على كفرهم واستكبارهم ببيان ما أَصاب أَضْرابهم، لتخويفهم بما أهلك به الأمم المكذِّبة المستكبرة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل، وتكذيبهم الكتب المنزَّلة من السماء، وتماديهم في الشقاق والعناد والْكِبْر.
والمعنى: كثيرًا ما أَهلكنا قبلهم من أُمَّة مكذَّبة، وحين جاءهم العذاب وحلَّ بهم العقاب استغاثوا وجأَروا إلى الله بالدعاءِ والتوبة، وليس ذلك بمُجْدٍ عنهم شيئًا، فليس الوقت وقت فرار من العقاب، ولا وقت هرب ونجاة من العذاب بالتَّوبة والدعاء، وما اعتبر كفار مكة بهؤُلاء، بل تمادوا في غيِّهم وفرارهم من الإيمان، وأَخرج الطَّسْتي عن ابن عباس: أَنَّ نافع بن الأزرق قال له: أَخبرني عن قوله تعالى: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ فقال: ليس بحين فِرار.
وعن الكلبي أنه قال: كانوا إذا تقاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض: مناص، أَي: عليكم بالفرار، فلما أَتاهم العذاب قالوا: مناص، فقال تعالى: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ (١).